• 7 نوفمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

محمود محيي الدين : 5 قضايا كبرى تشغل العالم وصندوق عالمي لمساعدة الدول متوسطة الدخل

أكد الدكتور محمود محيي الدين ممثل مصر والمجموعة العربية في صندوق النقد الدولي، أهمية قيام الدولة النامية بإدماج شؤون البيئة والمناخ في سياساتها للتنمية المستدامة، ودعا إلى تأسيس صندوق عالمي لمساعدة الدول متوسطة الدخل على زيادة السيولة لديها، وأشار  إلى أن السودان الشقيق يملك فرصة تاريخية للنهوض باقتصاده وتطوير استخدام موارده وسط تأييد مصري عربي دولي متزايد لإصلاحاته ولتسوية ديونه، كما نبه إلى أن الديون العالمية لا تزال تنتظر حلا حتى لا تتحول إلى أزمة مالية جديدة والى نص الحوار:

* ما أهم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل العالم في الوقت الراهن وانعكاسها على الدول العربية وعلى مصر؟

– اجتماعات الربيع لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين والتي انتهت منذ أيام تطرقت إلى خمسة ملفات أساسية تشكل قوام ما يشغل بال العالم وما يجب أن يشغلنا أيضا في بلادنا شعوبا وحكاما.

أول ملف هو التعامل مع الأزمة الصحية العالمية الناتجة عن كوفيد- 19 وأجلى مظاهرها الآن عدم العدالة في توزيع اللقاحات بين الدول الكبرى والناشئة والنامية ووجود عوائق مالية ولوجستية تحول دون حصول الدول النامية على اللقاح، سواء من خلال آلية الكوفاكس التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية أو من غير طريقها ويستدعى الأمر مناقشة جادة لحقوق الملكية الفكرية في مجال الدواء والمستلزمات الصحية في هذا الظرف بغية تخفيف قيودها لتقوم دول نامية بتصنيع اللقاحات لشعوبها، وقد كانت هناك مطالبة في منظمة التجارة العالمية في أكتوبر الماضى من الدول النامية بسماح مؤقت بتجاوز حقوق الملكية الفكرية للقاحات، لكن الطلب قوبل بالرفض.

وهناك عودة إلى المطالبة بذلك مرة أخرى من أجل مصلحة الجميع وليس مصلحة المنتجين للقاحات فقط، فلا نجاة من الجائحة ولا تعاف حقيقى، إلا إذا كان شاملا، ويبدو أن ثمة أمل في أن يصلح ذلك حقيقة بعد إعلان الرئيس بايدن اليوم استعداد أمريكا للتخلى عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات.

* وماذا عن الملف الآخر؟

– الملف الثانى له علاقة بالتعافي أيضا وهو قدرة الدول المختلفة على ضخ تمويلات وعمل تيسير نقدى مناسب من أجل تسريع استعادة النشاط الاقتصادى لوضعه الطبيعى وتقول الأرقام المعلنة إن الدول المتقدمة اقتصاديا قدمت حزما تعادل 12 % من ناتجها المحلى، بينما قدمت الدول ذات الأسواق الناشئة أقل من 4 % وأنفقت الدول الأقل دخلا أقل من 2 % وسيؤثر هذا التفاوت بالتأكيد على سرعات التعافى الاقتصادى الإنتاجى والتجارى وعلى القدرة على مساندة القطاعات التي تحتاج إلى مساندة اكثر من غيرها كالسياحة والفندقة والنقل الجوى، هذا بالإضافة إلى احتياجات استكمال مجابهة الوباء ذاته، كما يؤثر حجم الحزم على معدلات النمو.

* كيف وما توقعات النمو الاقتصادي للكتل المختلفة؟

– يصل النمو العالمى هذا العام ٢٠٢١ إلى 6 % بعد انكماش أي نمو بالسالب بـ 3.3 %. ستنمو أمريكا بـ 6.4 % والصين الثانية عالميا في حجم الاقتصاد بـ 8 %، وسيتجاوز جيرانها في آسيا من دول متقدمة وناشئة الـ 8 % نموا، أما في الشرق الأوسط وأفريقيا، فالنمو سيتراوح ما بين 3 – 4 % فى المتوسط وفى أوروبا نحو 4.4 % أي أن أوروبا لن تستطيع تعويض الانكماش الذي حدث فيها بنسبة 6.6 % في العام 2020، وستنمو أمريكا اللاتينية بواقع 4.6 % وكانت قد انكمشت بنسبة 7 % أى يوجد تفاوت شديد في معدلات النمو وهى بذاتها دالة على القدرة على التعافى الصحى وضخ إنفاق عام مناسب والأمر الثانى هو وجود تفاوت بين القطاعات داخل الدول ذاتها، فالسياحة لن تتحسن إلا مع السيطرة التامة على الجائحة وكذا صناعة الترفيه والخدمات التي تعتمد على تحرك الناس وتواجدها في إتاحة الخدمة أو استهلاكها ولهذا يلزم النظر في احتياجات المساندة وكذا أولياتها.

* وما الموضوع الثالث الذي يشغل العالم؟

– هو المديونية العالمية ونقص السيولة الدولية، وكما هو معروف، فقد كان العالم من قبل كوفيد-19 على مشارف أزمة مديونية وكل أزمة مديونية قبل ذلك أدت إلى أزمة مالية واقتصادية، لذا ندعو إلى ألا تقودنا أزمة الديون الراهنة إلى شىء مثيل ويتعين القيام بجهود احتوائية ضخمة حتى لا يحدث ذلك.

* الصندوق كما علمنا سيستخدم آلية زيادة حقوق السحب الخاصة.. فكيف تفيد؟

– إتاحة سيولة دولية جديدة بقيمة 650 مليار دولار عبر إصدار حقوق سحب خاصة من صندوق النقد الدولى يمكن أن توفر إمكانيات للدول تزيد ملاءتها وسيولتها، لأن الإصدار يضاف فورا إلى الاحتياطى من النقد الأجنبى ويمثل مبلغ 650 مليار دولا، ما يعادل 95% من حصص الدول الأعضاء بصندوق النقد أي أن كل دولة يمكن أن تحصل على تسهيلات إضافية توازى 95 %من حصتها، بالتالى يمكن لدول الشرق الأوسط أن تحصل على 36 مليار دولار،

وأفريقيا تحصل على 26.8 مليار دولار ودولة كمصر سيضاف إلى حصتها 2.8 مليار دولار، ما يرفع المبالغ التي يمكن أن تقترضها من الصندوق. وقد أشرت مرارا إلى أن مبادرات مجموعة العشرين لتخفيف عبء الديون استهدفت الدول الفقيرة والأقل دخلا وهذا عمل طيب، لكنه غير كاف ولابد من وجود آلية لمساندة الدول متوسطة الدخل هي الأخرى.

* كيف وما مشروعية ذلك؟

العالم بصدد ما يمكن أن نسميه فخ الوسط الجديد بمعنى أن العالم فيه دول متقدمة تقترض بشبه صفر وبالحجم الذي تريد ودول فقيرة تحصل على إعانات ومساعدات وإن كانت ليست كافية، لكن لابأس، أما المتوسطة الدخل فلا حظ لها، ولذا أساند فكرة تأسيس صندوق خاص داخل صندوق النقد الدولى للتعاون المالى والفنى مع الدول متوسطة الدخل على غرار صندوق تخفيف حدة الفقر وزيادة النمو للأقل دخلا، وذلك كى تستفيد منه المتوسطة وتستكمل معه مواردها.

* أنت كنت قد أشرت مؤخرا إلى السودان وسعى المجتمع الدول لمساندته.. هل من توضيح؟

– عانت دولة السودان الشقيقة لعشرات السنين من سوء الإدارة الاقتصادية وظلت لفترة طويلة جدا غير مدرجة في التعاون الدولى بعد التعثر في سداد المستحقات عليها وتراكم المديونيات. حاليا يوجد تقدير دولى واضح للجهود الكبيرة المبذولة في السودان للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، وهناك رغبة حقيقية في الوقوف بجانب السودان بما يمثل فرصة أكاد أقول تاريخية لنهوض هذا البلد العظيم واستغلال موارده الهائلة على نحو أفضل وتوفير الخدمات الأساسية للشعب. وقد قام البنك الدولى بتسوية مديونيات قديمة على السودان وقدم ويقدم لها عونا فنيا وبصفتى ممثلا لمصر وللمجموعة العربية أقوم بالتأكيد على وجوب مساندة السوان في كل محفل وفى كل مناقشة، وقد حضرت مناقشة خاصة بشأن السودان تمت على هامش اجتماعات الربيع بترتيب من وزارتى الخزانة والخارجية في الولايات المتحدة وبحضور السيد / جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط السودانى وتم التأكيد على ضرورة إزالة كل العوائق التي تقف في وجه تعامل السودان مع المؤسسات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولى ويقوم أعضاء نادى باريس أيضا حاليا بمبادرة في ذات الإطار لتسوية المديونيات السودانية، ومن المهم بالطبع أن يقوم السودان بمواصلة جهود تطوير بيئة ومناخ الاستثمار وتشجيع الادخار والتشغيل والإنتاج.

* نعود إلى الملف الرابع ما أهميته؟

إنه التحول الرقمى، حيث كان هناك منذ التسعينيات اهتمام به ولكن كعامل قطاعى يؤثر على خدمات الاتصالات والتكنولوجيا بالأساس لكن مع التطورات أصبح له تأثير على مجمل الاقتصاد والتواصل بين الناس وله تأثيرات اجتماعية وأبعاد أمنية ويؤثر على إدارة النشاط الاقتصادى وتحسين الخدمات المقدمة للجماهير وحوكمة ومتابعة الإنفاق العام وحسن تقديره وكذا إيرادات الدولة وكفاءة تحصيلها، بل ونحن بصدد دور مرتقب للتحول الرقمى في مجال العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية وهى تختلف كلية عما يسمى بالأصول المالية المشفرة مثل البيتكوين.

* أصدر المركزى الصينى بالفعل عملة رقمية مؤخرا بعد تجارب لسنوات ولكنه لم يضع قواعد توزيعها بعد؟

– الأهم أن العملات الرقمية التي ستصدرها البنوك المركزية ستكون معتمدة وسيكون لها قوة إبراء وسيادة وتفيد التقارير الصادرة عن بنك التسويات الدولية إلى أن 60 % من البنوك المركزية حول العالم لديها خطط وبرامج تجريبية تعمل عليها لإصدار عملات رقمية وخلال 3 إلى 5 سنوات فإن عددا منها سيظهر وسيؤثر ذلك بكل يقين على البنوك ودورها، حيث يمكن أن تحول البنوك المركزية إلى محافظ الأفراد الرقمية مباشرة مستحقاتهم ليصرفوها بالتحويل أيضا إلى محافظ غيرهم دون حاجة للبنوك ولهذا لابد أن تعمل البنوك على تقديم خدمات جديدة في مجالى الادخار والائتمان لتحافظ على دورها هذا مع العلم أنى رأيت في سنغافورة منذ عامين شركات تقدم خدمات تأمين وبنوك وشركات تأجير تمويلى وكل ذلك رقميا دون وجود أي مقار وعبر برامج معتمدة من الجهات التنظيمية والرقابية. سيتم التحول بالتدريج ولكن بإيقاع أسرع ما فات وعلى الجميع الانشغال بالأمر وسيترتب على التحول إلى المعاملات المالية الرقمية تغيرات نوعية ضخمة في السياسة النقدية وفى أعمال البنوك وفى النشاط الاقتصادى وتداعيات أخرى والكل منشغل من الآن بكيفية تأمين المعاملات وحوكمة النظم والبرامج التي ستقود هذا التحول وتجعله واقعا كليا.

* ثم تأتى إلى الملف الأخير ومدى أهميته؟

– الملف الأخير الذي يشغل العالم بنظرى فهو الاستدامة ويعد التصدى لتغير المناخ جزءا منها وكذا الأبعاد البيئية المختلفة له وتشمل كذلك التنوع البيولوجى وأهداف تنموية مثل مكافحة الفقر وتوفير فرص العمل وتوفير المياه والطاقة وتطوير المدن بحيث تكون ذكية ومتوافقة مع متطلبات الاستدامة. نرى حاليا عناية كبيرة بالمناخ بعد عودة حميدة من الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس الموقع 2015 كما أن أمريكا دعت مؤخرا كما رأينا إلى مؤتمر شاركت فيه 40 دولة لتفعيل تعهداتهم بشأن البيئة وخفض الانبعاثات الضارة وصولا إلى صفر كربون في 2050 وبعض الدول ستسبق هذا التاريخ وستحقق الصين الهدف في 2060. كل هذا طيب ويساعد على تقليل الاحترار وحماية الموارد المائية والطبيعة والحفاظ على البيئة وتوفير الغذاء الخ وكل هذا يترافق مع فرص تمويل ميسر ويتطلب استثمارات وقد رأينا نموذجا ناجحا من هذا الاستثمار في مصر في مشروعى بمبان والزعفرانة للطاقة النظيفة من الشمس والرياح وهناك اهتمام عالمى بطاقة الهيدروجين الأخضر والسيارات الكهربائية بما سيحقق نقلة، في إطار تقليل الانبعاثات وتغيير التكنولوجية ذاتها.

* لكن كيف تواجه الدول النامية هذا التحدى ولديها ظروف داخلية ضاغطة من أجل إتاحة فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية؟

ليس على الدول النامية أن تنقل ذلك كما هو بل تدرجه في إطار سياستها للتنمية المستدامة، فالدول المتقدمة أنجزت مبكرا مقومات التقدم والاستقرار من حيث تأسيس بنية تحتية قوي وإتاحة الخدمات الأساسية لمواطنيها بجودة عالية وفى تقليل الفقر وإرساء دعائم إنتاجية وخدمية متطورة، لكن الدول النامية لاتزال بحاجة إلى بذل جهود ضخمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعليه ليس من العدالة أن يكون عليها نفس الالتزامات التي ستلتزم بها الدول الكبرى في مجال المناخ، خاصة أنها ليست مسؤولة عن الحجم الأكبر من الانبعاثات، وبما أن قضية المناخ لا تقبل التأجيل من جهة أخرى، فالحل أن تقوم الدول النامية بإدراج سياسات المناخ والبيئة (الهدفين ١٣، ١٤ من أهداف التنمية المستدامة)، في سياساتها العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وحين تصل إلى مستوى دول مثل دول اسكندنافيا، فيمكنها وقت ذاك أن تجعل التصدى لتغيرات المناخ القاطرة التي تشد اقتصادها.

* كيف تنفق الدول النامية على البيئة وهى تعانى أزمات مديونية وسيولة؟

– لا يجب أن تقوم بذلك عبر تعهدات تستلزم مزيدا من الاقتراض فالديون القائمة لا تتحمل مزيدا عليها، في كثير من الدول، ويجب أن تسعى إلى جذب استثمارات في مجالات المياه والطاقة النظيفة وتحسين البيئة مستفيدة من شهية المستثمرين للدخول في تلك المجالات ومن وجود تطورات تكنو لوحية مشجعة تفيد كل من التنمية والبيئة وقد كانت هناك تعهدات من الدول المتقدمة بتقديم ١٠٠ مليار دولار كتمويلات مساندة للتصدى للتغيرات المناخية، لكن لم يتحقق منها شىء وسينعقد في نوفمبر المقبل مؤتمرا عالميا في جلاسجو حول المناخ تحضره الـ ١٩٣ دولة الأعضاء في الأمم المتحدة، وعلينا تجهيز ملفاتنا ومطالبنا من الآن والمشاركة بقوة في هذا المحفل.

 

المقال السابق

بلاغ للنائب العام ضد ايمان البحر درويش.. لهذا السبب

المقال التالي

هانى رمزي : يعود إلى المسرح بعد غياب 18 عاما بـ أبو العربى 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *