الرد على كتاب نقد التقليد الكنسي (1)
منذ أن جاء السيد المسيح على الأرض ثم تسليم الإيمان للآباء الرسل في الكنيسة؛ والرب والكنيسة تهاجم من أعداء الحق بصور مختلفة. ففي وجود المسيح له المجد على الأرض كان اليهود يقاومونه رغم قوة العمل والكلام كما قال القديس يوحنا في إنجيله: “مع إنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها، لم يؤمنوا به” (يو12: 37). بل حاولوا أن يقولوا عليه إنه بالشيطان يفعل هذا (لو11: 15).
وكان كل من لا يحب الحق ولا يريد النور يحاربه، بل ويكره كلامه حتى قال الرب نفسه: “من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه. الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير” (يو12: 48).
ومن بعدما سلم الكنيسة للآباء الرسل وحملوا الخلاص للعالم كله صار عمل الشيطان وأتباعه هو الهجوم على الكنيسة والكرازة، وقد سبق الرب وقال: “إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم” (يو15: 18). وواجه الآباء الرسل كل أنواع الهجوم الفكري والبدني حتى إن أغلبهم قد استشهد لأجل الكرازة بالمسيح وتركوا لنا الرسائل المقدسة في الإنجيل لتثبيت الإيمان وسلمونا إيمان محدد وتقليد كنسي يقول عنه معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: “ما سمعته مني بشهود كثيرين، أودعه أناس أمناء، يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً” (2تي2: 2).
وحذر ماربطرس من دخول الأفكار الغريبة إلى الكنيسة وقال: “سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً” (2بط2: 1)، فكتب الآباء ووثق الإيمان المسلم جيل بعد جيل، وواجه الآباء كل هجوم على الكنيسة والكرازة بقوة وصار لنا كنوز من كلمات الآباء منذ فجر المسيحية حتى الآن نستطيع بها أن نصد كل هجمات ضد كلمات الحق.
وكتاب “نقد التقليد الكنسي” هو تجميع لأفكار عبر عصور مختلفة كان هدفها التشكيك في الكتاب المقدس والإيمان المسيحي من مدارس معروف هدفها مسبقاً مثل مدرسة النقد الكتابي التابعة للجماعة الماسونية والتي ظهرت في القرن الثامن عشر في أوروبا؛ بجانب استقطاع جمل وكلمات من سياق كتابات بعض الآباء للتشكيك في التقليد الكنسي، وحقيقة الكتاب تظهر من روح الذي قدم هذا الكتاب إذ يقول في التقديم: “هذا الموضوع هو حقيقة أرثوذكسية الكنيسة المصرية، أي مبلغ وفاء أصول الكنيسة المصرية للفهم الديني الذي كان شائعاً بين النصارى المؤمنين بالعهد الجديد (إنجيل الكنيسة) منذ أقدم مرحلة من تاريخ الكنيسة، فقد أنقسم النصارى إلى مذاهب شتي منذ عُرف للنصارى وجود في الوثائق المادية المتاحة عنهم”.
وهذا الأخ يتكلم وكأنه يعرف الأرثوذكسية الحقيقية كمتخصص في عقيدتنا، ولكن لغته تظهره.
فأولاً: نحن لسنا نصارى، فالنصارى الذين ذُكروا في القرآن، هم جماعة ظهرت في فلسطين بعد هدم الهيكل عام 70م، وانتقلت إلى شبه الجزيرة في القرن الثاني. وهم لا يؤمنوا بالإيمان المسيحي فهم أقرب إلى اليهودية. ورفضت الكنيسة فكر هؤلاء النصارى، أما نحن فلسنا نصارى.
ثانياً: يقول إن أنقسم النصارى منذ أقدم مرحلة في تاريخ الكنيسة!! وهذا ليس صحيحاً، بل يعني فقر في المعرفة التاريخية للكنيسة، لأن أول انشقاق حدث في الكنيسة كان في القرن الخامس في مجمع خلقيدونية، وكانت الكنيسة قد انتشرت في العالم كله، وأغلب أباطرة العالم كانوا مسيحيون، لم نكن منقسمي قبل مجمع خلقيدونية.
ويقول أيضاً: “واستمسك كل حزب بحقه في تمثيل الكنيسة الأولي، متهماً مخالفيه بالهرطقة والضلال والتجديف وقد استطاعت الكنيسة المصرية أن تحافظ على وجودها على مدي قرون في هذا الخضم العقيدي الكنسي المتناحر بحديي الكلام والسيف”.
وهذا الكلام اتهام فج وينم عن عدم معرفة أو محاولة للتضليل، فليخبرني هذا الأخ متى حملت الكنيسة القبطية سلاحاً؟! بل وحسب كل كتب التاريخ؛ الكنيسة القبطية هي أكثر كنيسة قدمت شهداء في المسيحية. فإن كنا لم نحمل سلاحاً أمام من كان يقتلنا فهل يمكن أن نحمل سلاحاً أمام من يختلف عنا في الأفكار؟! ولكن هذه الكلمات تظهر روح هذا الشخص.
ويقول أيضاً: “وحرص لاهوتيوها ودفاعيوها على نفس أصالة الكنائس الأخرى، خاصة الكاثوليك ثم البروتستانت بتهمة خيانة التراث الكنسي الأول، الذي يقال إن رسل المسيح قد بلغوه بالأجيال الآحقة، ولم يواكب حرص الكنيسة المصرية على استئثار بطبع استقامة العقيدة في الفهم النصراني التدليل العلمي على ذلك”.
ونجيب على هذا القول باستغراب شديد كيف أننا لم ندلل بالدليل العلمي أننا كنيسة أصلية؟! وما هي أساسيات البحث العلمي لإثبات أصولية الكنيسة القبطية؟! فلم يقرأ هذا الأخ عن كنيستنا أنها صاحبة أول أكاديمية علمية مسيحية في العالم كله من القرن الأول وهي مدرسة الإسكندرية اللاهوتية!! ألم يعرف أن فكرة الرهبنة وتأسيسها كانت من الكنيسة القبطية؟! وإن الذي صاغ قانون الإيمان في مجمع نيقيه هو الكنيسة القبطية.
ثم يقول أيضاً: “بإثبات زمن حفظ التقليد الأول الذي حفظ الرسل أقوال يسوع، أي الكتاب المقدس”.
يا عزيزي من الذي أعلمك أن التقليد هو الكتاب المقدس؟! لقد علمنا ونشرنا وكتبنا أن التقليد هو التسليم الذي من المسيح له المجد للتلاميذ والرسل عبر الزمن، كان منه ما هو شفوي حفظته الكنيسة ودوّن في القرن الثاني على يد الآباء الرسوليين، وكان منه ما هو كتابي، دوّن في القرن الأول عبر الأربعة بشاير والرسائل وسفر الرؤيا. التقليد الكنسي هو الليتورجيا، وصلواتنا، وحياتنا، وكتابتانا، وليس الكتاب المقدس فقط.
ويقول أيضاً: “الكنيسة القبطية معلقه، لا تجد لنفسها رصيداً إلا في إطلاقات عامة، وتكون مشتتة في أسفار التاريخ”.
وهذه الجملة تبين أن كاتبها لم يقرأ تاريخ الكنيسة القبطية التي كانت كل كنائس العالم تأتي إليها لتعلم اللاهوت وتفسير الكتاب المقدس، ومن يريد أن يتتلمذ على الفكر الرهباني كان يأتي إلى مصر. ولدينا من الوثائق والكتب منذ القرن الأول ما ندلل به على هذه الحقائق.
ويقول أيضاً: “لذلك يتوجه (الكاتب) إلى نصب محاكمة علمية لدعوة أرثوذكسية الكنيسة المصرية”.
ونجيبه باستغراب وغضب من هذا الذي سيحاكم الكنيسة القبطية؟!! فليعرف كل واحد قدره ومقدار تعليمه وعلمه، فقد يكون الكاتب عالماً فقهياً في دينه ولكنه بالقطع لا يستطيع أن يحاكم الكنيسة القبطية التي وقفت أمام أباطرة وجيوش وفلاسفة وهراطقة وظلت إلى اليوم منارة الفكر الكنسي في العالم كله.
ويقول أيضاً: “وكان في كل مبحث جديد، يقدم لنا مفاجئات صادمة”.
ونريد أن نخبر هذا الأخ أنها لم تكن مفاجئات ولا صادمة بل كانت نقلاً من كتابات نعرفها جيداً وفندناها وأظهرنا ما فيها من جهلا كثيراً، وهي كتب تُسمى مدارس النقد الكتابي. وإن كان الكاتب أخل بالعلم في أمانة النقل من بعض النصوص؛ وكان متحيزاً في تقديم ترجمات مخلة لنصوص آبائية. وقد اعترف بنفسه إن هناك من يمده بالمراجع؛ إذن لم يكن هو الباحث العلمي بل كان موجهاً من آخرون. فأي بحث علمي يبحث في مشكلة ما يضع الباحث المشكلة ثم الفرضيات والنظريات المختلفة من كل الكتب ثم إما أن يستخلص نتائج أو يطرح حلول القضية حسب رؤية علمية وهذا لم يحدث في هذا الكتاب. ثم يظهر مكنوناته الداخلية بكل وضوح ويقول: “مفاجئات صادمة مدعومة بشواهد تاريخية ظاهرة، ونقول عتيقة، تسلب هذه الكنيسة ما تفتخر به من أرثوذكسية، بريئة من دون هراطقة. والمؤلف رغم أنه لم يتبني في كتابه دعوة النصارى للإسلام، إلا أن حقيقة أزمة الكنيسة والتاريخ الأول التالي لعصر المسيح كما صدرها لنا في الصفحات التالية، خير حافز للإعادة البحث في رسالة المسيح الأولي”.
وهذه الفكرة تعتبر ازدراء للدين المسيحي وإقلالا من عقيدتنا، فهذه الكلمات تشير بطريقة غير مباشرة إلى أن المسيحية ديانة غير حقيقية. ثم ننتقل إلى الكاتب نفسه الذي شهد بالخلل الكبير في كتابه حين قال: “ولا أنسي بداية شكر أصحابي من المسيحيين المعنيين بالأرثوذكسية المصرية، مع اختلاف طوائفهم وتعدد أفكارهم، الذين أمضيت معهم ساعات طوال في تحرير المسئلة، أو قراءة نص ومناقشته. وأخص ذكر واحد منهم (…..) فهو باحث مصنف وقد تعقبته في كتابي الأول، وكان يشتري الكتب المسيحية من المكتبات وأنا في أوروبا، ويحتفظ بها في بيته، حتى يأتي من يأخذها ويقوم بشحنها إليّ. فله مني أسمي آيات العرفان والشكر، وإني يا صديقي وإن تعقبتك في بحثي فإن التعقب حق العلم، ولكني لا أنقص الصحبة حقها، ولا أكافئ محبتك بنقيضها، وإني قد ربيت في الأزهر الشريف، أدام اللـه مشيخته في العالم، مع أن الاختلاف لا يفُسد للود قضية، وإني ممتن لمن يقرأ بحثي”.
وهذه الشهادة تعني إن الذين حدثوه عن الأرثوذكسية منهم طوائف غير أرثوذكسية، وأنه كانت هناك جلسات لتوجيه الكاتب نحو أفكار معينة وكتب معينة أمدوه بها، وبالطبع لم يمدوه بكتب أرثوذكسية حقيقية. والآن دعونا نبدأ في الكتاب نفسه ولكن في البداية أريد أن أبدأ بقول البابا أثناسيوس: “دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها الذي هو من البداية، والذي أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه أباء الكنيسة، وعلى هذا تأسست الكنيسة، فمن يسقط منه لن يكون مسيحياً”.
في البداية هذا الكاتب عنده خلط ـ يٌخل بالبحث العلمي ـ بين كتابات المؤرخين وبين التقليد الكنسي. فكثير من المؤرخون تغلبت عليهم خلفياتهم الثقافية والعقيدية في كتابة التاريخ فمثلاً “هيرودوت” الذي أطلقوا عليه أنه “أبو التاريخ” سقط في أخطاء كثيرة فلم يكن أميناً في نقل حكايات شعبية ووضعها في إطار تاريخي موثق. كما أنه لم يكن يعرف اللغة المصرية القديمة فلم يفهم كثير من الأمور الحياتية في مصر فنقل مفهومه ولم ينقل الحقيقية. وهكذا اعتمد الكاتب في كثير من قضاياه على يوسابيوس القيصري الذي كان أريوسي ويكره الكنيسة القبطية لأنها حرمت الأريوسية، وقد كان من جماعة لوقيانوس في أنطاكية وكانوا جميعاً منحرفون الإيمان. وقد رأس مجمعاً للأريوسيين في أنطاكية برعاية الإمبراطور قسطنطين حرموا فيه البابا أثناسيوس ونفوه، وقد أنكر الإيمان وقت اضطهادات دقلديانوس.
ونبدأ في الفصل الأول ويقول الكاتب: “فلئن سلمنا بوجود شخصية تعرف باسم مارمرقس، فلا يقين على إنه صاحب الإنجيل المنسوب له ـ ناهيك عن نسبة غير الإنجيل إليه ـ ككونه أول كاروز لمصر وداعية المسيحية الأول”.
والكاتب هنا يشكك في ثلاثة أشياء:
أولاً: لا يوجد شخص يُدعي مارمرقس.
ثانياً: إن هذا الإنجيل ليس له.
ثالثاً: إنه لم يكن الكارز بالمسيحية في مصر.
كل هذه الأفكار موجودة في كتب لأشخاص هاجموا الكنيسة القبطية لإضعاف صورتها أمام المهرطقين أو في كتب من يسمون أنفسهم مدرسة النقد العالي التي ظهرت في القرن الثامن عشر، ظهرت شخصيات أطلقت على نفسها أساتذة وفلاسفة الكتاب المقدس، ووضعوا الكتاب المقدس تحت المجهر العلمي، وزعموا إن به أخطاء، وتناقضات، وقد رد الآباء على كل هذه الأفكار.
أثناء تواجدي في أوروبا تقابلت مع أستاذ اللاهوت المسيحي في إحدى الجامعات في ألمانيا، وأثناء نقاشي معه، اكتشفت إنه مُلحد، وقال لي: أنا أدرس علم فلسفة المسيحية، ولكني لا أؤمن باللـه. فهل يستطيع هذا المُلحد أن يتحدث عن الكتاب المقدس بطريقة صحيحة؟!
في العصر الماضي كتب أحمد ديدات العديد من الكتب نقض في الكتاب المقدس، وقد ردت الكنيسة على كل أفكاره.
ويقول أيضاَ: “لقد ذكر جون درين في كتابة يسوع والأناجيل الأربعة: “فمن الصعوبة التأكد أن نفس مرقس هذا ـ الذي كان المسيحيون يجتمعون في بيت أمه ـ هو كاتب الإنجيل، غير أنه بالنظر إلى ميل مسيحي القرن الثاني للربط بين أسفار العهد الجديد وشخصيات رئيسية في الكنيسة الأولى، فربما يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيداً تماماً عن الحقيقة، فيوحنا مرقس الذي تقابلنا معه في العهد الجديد، هو شخص لا أهمية كبيرة له، وليس من نوعية الشخص الذي تعزي له كتابة إنجيل ما”.
ونريد أن نخبركم من هو جون درين، الذي أستقي الكاتب منه معلوماته؟ هو دكتور في جامعة مانشستر، تتلمذ على يد أحد الأساتذة الذي كانت دراسته كلها منصبة على الغنوسية المسيحية، كتب كتاب “مقدمة العهد الجديد في بداية القرن العشرين”.
هذا الرجل “جون درين” من مروجي وناشري فكر مدرسة النقد العالي للكتاب المقدس، بروتستانتي الأصل، وليس له أدني احترام للكتاب المقدس ولا للديانة المسيحية. يقول إن إنجيل مارمرقس، وباقي أسفار الكتاب المقدس مجهولي الكاتب.
هؤلاء الذين يقفزون على ألفين سنة تسليم وتقليد وكتابات آباء ومجامع ومخطوطات، ولكنهم يعزفوا على وتر عدم معرفة وفهم الناس. فهناك ما يوازي خمسة آلاف مخطوط تثبت كتابة مارمرقس لإنجيله، ويدعي عدم أهمية مارمرقس في العهد الجديد، إذا كانت الكنيسة الأولى التي أسست فيها الإفخارستيا، والتي أصبحت مركز المسيحية في العالم كله ـ مثلما ذكر د. عزيز سوريال ـ هي بيت مارمرقس، وإن والدة مارمرقس هي إحدى النساء اللواتي كن يتبعن المخلص. وفي أع 12:12 حينما أنقذ ملاك الرب بطرس من السجن، خرج وذهب إلى العلية التي ظهر فيها السيد المسيح للتلاميذ أربعين يوماً هي بيت مارمرقس يقول: “ثم جاء إلى بيت مريم أم يوحنا اللقب بطرس، حيث كان كثيرون مجتمعون وهم يصلون”.
وذكرت دائرة المعارف البريطانية: أن بيت مارمرقس كان مركز للحياة المسيحية في أورشليم. وإن مارمرقس هو أحد الكارزين في رحلة ماربولس الأولى وقال عنه: “إنه نافع للتعليم”. واصطحبه معه ماربرنابا ليكرز في منطقة قبرص ثم لبنان وعبر على الخمس مدن الغربية.
هذا هو من يزعم الكاتب أنه لم تكن له أهمية.
ومما يؤكد أن الكاتب كان يستقي معلوماته من كتب طائفية غير أرثوذكسية إنه قال إن “أندرو ميلر قال: “أن مرقس هذا لم يكن رسولاً ولا واحداً من السبعين”. (مختصر تاريخ الكنيسة ـ مكتبة الإخوة).
ولدينا شهادات وأقوال من القديس أبيفانيوس وهيبوليتس وجميع مؤرخي الكنيسة الأوائل أن مارمرقس هو أحد السبعين رسول وإنه كان يُلقب بناظر الإله.
ويقول د. عزيز سوريال: أن مارمرقس أقرب شاهد لحياة المسيح.
ويقول ساويروس بن المقفع في تاريخ البطاركة القون العاشر: “تقبلت الكنيسة التقليد الثابت بأن مارمرقس كان أحد السبعين رسولاً.
مارمرقس كان مترجم لأنه كان يحمل ثقافة عالية، ويعرف أربعة لغات، وفصيح ومفكر، وقال عنه ماربولس: “أنه نافع لي للخدمة (2تي 11:3).
بديهياً إذا كان إنجيل مارمرقس هو لمار بطرس، الذي كتب رسالتين، هل لم يستطيع أن يكتب الإنجيل، إذا كان هذا إنجيله؟!.
لماذا لم يذكر مارمرقس في بداية إنجيله إن هذا الإنجيل يُنسب إلى ماربطرس؟!
ونعود إلى قضية التشكيك في أن إنجيل مرقس كاتبه هو مارمرقس ويأتي بقول لـ بابياس ناقلاً من كتاب يوسابيوس القيصري: “وهذ ما يقوله القس يوحنا أيضاً: أن مرقس إذ كان اللسان الناطق لبطرس، كتب بدقة، ولو من غير ترتيب، كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع الرب ولا اتبعه، ولكنه فيما بعد ـ كما قلت ـ اتبع بطرس الذي جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه”. (تاريخ الكنيسة يوسابيوس القيصري).
شهادة إيريناؤس ينقلها يوسابيوس القيصري: “أما مرقس فقد أصبح ناقلاً لبطرس، ولم يسمع للرب، ولم يتبعه”.
ثم ذكر شهادة إكليمندس ينقلها يوسابيوس القيصري: “أما إنجيل مرقس فقد كانت مناسبة كتابته هكذا، لما كرز بطرس بالكلمة جهاراً في روما، وأعلن الإنجيل بالروح، طلب كثيرون إلى مرقس أن يدون أقواله”.
ثم ذكر العلامة ترتليان: “بينما شهد بطرس للإنجيل الذي نشره مرقس والذي كان مترجمه” (كتابه ضد مركيون).
شهادة أوريجانوس: “وفقاً للتعليمات التي تلقاها بطرس الذي في رسالة الجامعة يعترف به ابناً قائلاً: تسلم عليكم التي في بابل المختارة ومرقس ابني”.
شهادة يوسابيوس القيصري: “أضاء جلال التقوى عقول سامعي بطرس لدرجة أنهم لم يكتفوا بأن يسمعوا مرة واحدة فقط، ولم يقنعوا بتعاليم الإنجيل الإلهي غير المكتوبة، بل توسلوا بكل أنواع التوسلات إلى مرقس، أحد تابعي بطرس، والذي لا يزال إنجيله بين أيدينا، لكي يترك لهم أثراً مكتوباً عن التعاليم التي سبق أن وصلتهم شفوياً، ولم يكتفوا حتى تغلبوا على الرجل، وهكذا سنحت الفرصة لكتابة الإنجيل الذي يحمل اسم مرقس”.
التوفيق بين الروايتين إذا أرادت الكنيسة مراعاة هذا الاتفاق التقليدي وعدم نقضه: “فقد رأي البعض بأن مقصود إيريناؤس أن الإنجيل قد كتب في حياة بطرس، ولكنه لم ينشر إلا بعد موته… أن إيريناؤس لم يشر إلى موت بطرس وإنما إلى مغادرته روما في مهام تبشيرية (رأي النقاد كريستوفرسون، ميل وجريب).
وجه آخر للتوفيق بينهم: الرسالة التي اكتشفها العالم مورتون سميث عام 1937م في دير مارسابا لفلسطين وهي عبارة عن خطاب وثائقي للعلامة إكليمندس السكندري، أرسله إلى شخص يدعي ثيؤدور، يحذره فيها من تعاليم أتباع كربوكرات المبتدع، الذين أدعوا أنهم وجدوا نسخة من إنجيل سري كتبه مرقس الرسول، وخلطوا ما هو حق بأكاذيب ابتدعوها، وفي نفس الرسالة يقرر إكليمندس الإسكندري، ما يعرفه بخصوص زمان ومكان كتابة إنجيل مرقس الحقيقي، وقد نشر سميث نص الخطاب في كتابه الإنجيل السري.
ويقول الكاتب: إذ موطن الإشكال “وجود التعارض بين شهادات الآباء والتقليد الكنسي الأرثوذكسي، الذي يفترض فيه أن يعضد الإيمان الأرثوذكسي، والذي يشدد على أن مرقس هو رسول يسوع المسيح، ولم يكن تلميذاً لبطرس ولا خادماً له، ولذلك نجد الأنبا شنودة يحاول الدفاع عن تقليد الكنيسة الذي لا توافق وأقوال الآباء الأولين مع أنه يستدل بهم على ثبوت الكتاب المقدس.
يقول البابا شنودة: “أو ليس صحيحاً أن أقوالاً عديدة منسوبة إلى الآباء تحتاج إلى مراجعة كثيرة، ولا نستطيع أن نقبلها في سهولة وبساطة، وبخاصة لو كانت تتنافي مع عقيدة كنيستنا؟! ما أكثر ما عندي من أمثلة على هذا الموضوع” (كتاب مرقس الرسول).
خلاصة القول: لا دليل للأرثوذكس الأقباط على أن مرقس ليس تابعاً لبطرس ولا مترجم أقواله، إلا الطعن في التقليد نفسه، وإنه لا أحد من الآباء الأولين يوافقهم على قولهم ذاك.
ويقول القس الإنجيلي فايز فارس: “لم يكن مرقس واحداً من الاثني عشر تلميذاً، لكن يظن البعض أنه كان واحداً من السبعين تلميذاً، الذين أرسلهم المسيح، لكن هذه الافتراضات تفتقر إلى دليل، فلا توجد في كتابات الأوائل إشارات إلى ذلك على الإطلاق”.
وقصة بابياس الذي كان أسقفاً على إحدى المدن في آسيا الصغرى ومات عام 130م ولا توجد أي كتابات له حقيقية حتى أن أحد علماء الكتاب المقدس ويدعى فارر يقول: أن التقليد المنحدر من بابياس ينبغي التخلي عنه لأنه يعتبر تأليفاً مزيفاً”. والذي كتب عنه ونقل منه هو يوسابيوس القيصري، وننقل لكم ما كتبه يوسابيوس القيصري في كتابه تاريخ الكنيسة أولاً حتى نثبت إنه لم يكن مدققاً في التاريخ وكان يبث أفكاره وسمومه في كتاباته، إنه حاول أن يثبت أن كنيسة روما هي الأعظم لانتسابها إلى ماربطرس الذي كان هو الأب الروحي لمارمرقس فتكون الكنيسة القبطية تابعة لكنيسة روما وهذا يظهر إنه كان يلوي الحقائق ويغيرها من أجل أهدافه الخبيثة.
يقول يوسابيوس القيصري في كتابه كرازة بطرس الرسول لروما: “على إنه لم يستمر طويلاً في الحال في عهد كلوديوس، أرشدت العناية الإلهية كلية الصلاح والرحمة الساهرة على كل أمور بطرس أقوي الرسل وأعظمهم، الذي بسبب فضيلته كان نائباً يتكلم عن الباقين، أرشده الروح القدس إلى روما ضد هذا المفسد العظيم، أما هو فكان قائد نبيل للـه، متشحاً بأسلحة إلهية، نقل من الشرف إلى سكان الغرب بضاعة نور الذهن النفيسة، معلناً النور نفسه، والكلمة التي تأتي بالخلاص وكان كارزاً بالملكوت”.
وتاريخياً ماربطرس لم يذهب إلى روما كارزاً قبل أن يذهب للاستشهاد، حتى ناشر تاريخ يوسابيوس القيصري باللغة الإنجليزية قال: “مع أننا لم نستطع أن نُسلم بزيارة بطرس لروما، إلا أنه من المؤكد عدم وصوله هناك قبل أواخر حكم نيرون، أما زعم الكنيسة الباباوية أنه ظل أسقفاً على روما خمسة وعشرون سنة في عصر كلوديوس قيصر، فلا يتفق مطلقاً مع ما نعرفه عن حياة بطرس من عهد جديد ومن كتاب الأوائل، لأنه في سنة 44م كان في أورشليم، وفي سنة 51م كان هناك أيضاً، وعلاوة على هذا كان يخدم في مقاطعات آسيا الصغرى، وكتب رسالته في هذا الوقت”.
أما مقاله عن بابياس: “لا يزال بين أيدينا خمس كتب لبابياس، تحمل اسم تفسير لأقوال الرب، ويذكرها إيرينؤس على أساس أنها المؤلفات الوحيدة التي كتبها، هذه الأمور يشهد لها بابياس وهو أحد الأقدمين، استمع ليوحنا، وكان زميلاً لبوليكاربوس في كتابه الرابع”.
ويقول يوسابيوس القيصري: مما جدير بالذكر أنه كرر اسم يوحنا مرتين، الاسم الأول يُذكر مع بطرس ويعقوب وسائر الرسل، وهذا هو يوحنا الإنجيلي، أما يوحنا الآخر فإنه يذكره بعد فترة ويضعه بين أشخاص أخريين ليسوا من الرسل، واضعاً أرسطوبولس قبله وكان يدعوه القس. ويعترف بابياس الذي نتحدث عنه الآن، أنه تقبل كلمات الرسل ممن تبعوه، ويقول إنه هو نفسه كان مستمعيه إلى أرسطون والقس يوحنا. وأنه سمع من القس يوحنا إن إنجيل مارقس كان مأخوذ من ماربطرس. ويدون نفس الكاتب روايات أخري يقول إنها وصلته من التقليد غير المكتوب، وتعاليم غريبة للمخلص وأمور أخري خرافية.
مما سبق يظهر بكل وضوح من شهادة يوسابيوس نفسه أن بابياس كان يذكر أمور خرافية بل يقول عنه الآتي: “يبدو إنه كان محدود الإدراك جداً كما تبين من أبحاثه، وإليه يرجع سبب أن كثيرين من آباء الكنيسة اعتنقوا نفس الآراء، ويدون بابياس في مؤلفاته على عهدة أرسطوس السابق، وتقاليد مسلمه من القس يوحنا، اقتباسها أن التقليد الذي يقدمه مارمرقس عن الإنجيل في الكلمات الآتية، أن مرقس كان هو اللسان الناطق لبطرس، كتب بدقه ولو بغير تريب، وأنه لم يرتكب خطأ، لأنه كان يحرص على أمر واحد إلا يحذف شيئاً مما دونه. ومن هذه الفقرة ندرك أن ما يقوله بابياس نقلاً عن شخص اسمه القس يوحنا وليس القديس يوحنا تلميذ السيد المسيح. نقلا عن كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري الفصل الرابع عشر والفصل التاسع والثلاثون.
ويظهر الكاتب طريقته في اقتطاع الاقتباسات بصورة مخلة فشهادة إيرينوس عن مارمرقس التي كتبها يوسابيوس: “بعدما عاد مارمرقس التلميذ، ومترجم بطرس أيضاً، سلم لنا مكتوباً ما كان يبشر به بطرس”.
فهو هنا قد حذف الكاتب كلمة “تلميذ” لأنها لا تخدم أفكاره، أما ما يريد أن يشير إليه في أنه قال إن مارمرقس كان مترجما لماربطرس وهذا يعني أنه كان يخدم معه في كرازته للأمم، وما قال عنه أنه سلم لنا مكتوباً ما كان يبشر به بطرس؛ ولا تعني إن إنجيل مارمرقس أملاه له ماربطرس ولكن الجملة تعني أن ما كتبه مارمرقس كان متوافقاً مع كرازة الرسل بما فيهم ماربطرس.
وللرد على باقي الأفكار نحيل إليكم الاقتباسات الحقيقية للآباء الذين استشهد بهم الكاتب:
ويقول إكليمندس السكندري 153م ـ وهو أحد عمداء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ـ:
Mark, wrote entirely what is called the Gospel according to Mark.
“بكل أنواع التوسلات لمرقس الذي يرجع إليه كتابة الإنجيل، وكان رفيق بطرس، ليترك كتاب سجل تعاليم سُلمت لهم شفوياً ولكنه لم يسمح لإنسان قط يُخبر إعلان له، ولكن لهم نحن مديونين بالإنجيل الملقب مرقس، لنعلم ما تم من خلال إعلان الروح القدس، وقيل إن الرسول كان سعيد من حماس الرجال ووافق على أن تُقرأ في كل الكنائس”.
But with all manner of entreaties importuned Mark, to whom the Gospel is ascribed, he being the companion of Peter, that he would leave in writing a record of the teaching which had been delivered to them verbally, and did not let the man alone till they prevailed upon him, and so to them we own the Scripture called the (Gospel by Mark). On learning what had been done, through the revelation of the Spirit, it is said that the apostle was delighted with the enthusiasm of the men, and sanctioned the composition for reading in the churches.
ويقول القديس إكليمندس: “لما كان الرومانيون مفتونين بالنور الذي سطع في عقولهم من أحاديث بطرس، لم يقنعوا من مجرد السمع والإعلان الحق الحي، بل أسرعوا يلتمسون بإلحاح من مرقس ـ الذي إنجيله بين أيدينا، وكان من أتباع بطرس ـ أن يسجل لهم كتابه التعليم الذي قبلوه مشافهة، ولم يكفوا عن إلحاحهم، حتى أقنعوه برأيهم، وهكذا كانوا سبب كتابه الإنجيل المسمى “بإنجيل مرقس”، ويُقال إنه عندما علم الرسول ـ بإلهام الروح القدس ـ بما حدث، سر باهتمام الناس بذلك وأمر بأن يُقرأ ما كتب في الكنائس”.
أتباع بطرس: بمعني أنهم خدموا معه، فماربطرس قال يسلم عليك مرقس ابني.
بإلهام الروح القدس: وليس بإلهام بطرس.
ويقول العلامة ترتليان من شمالي أفريقيا عن سلطان الأناجيل الأربعة:
Of the apostles, therefore, John and Matthew first instill (3526) faith into us; whilst of apostolic men, Luke, and Mark renew it afterwards.
“من الرسل هناك يوحنا ومتي الذي كان أول من كتب الإيمان لنا، ومن الرجال الرسل لوقا ومرقس جددوا بعد ذلك”.
وأيضاً يقول:
The same authority of the apostolic churches will afford evidence (3598) to the other Gospels also, which we posses equally through their means, (3599) and according to their usage. I mean the Gospels of John and Matthew, whilst that which Mark published may be affirmed to be Peter’s (3600) whose interpreter Mark was.
“بنفس سلطان الكنائس الرسولية نقدم أدلة لأناجيل وتبعاً لاستخدام ـ أقصد إنجيل يوحنا ومتي ـ وحينما نشر مرقس ما قد يكون لبطرس الذي كان مرقس مترجم له.
ويقول أوريجانوس (حوالي 240م) ـ الذي نأخذ كلماته أنها إشارات تاريخيه ـ يقول: “والإنجيل الثاني لمرقس الذي كتبه تحت إرشاد بطرس، الذي يقول عنه في رسالته الجامعة (مرقس ابني)” (1بط 13:5).
ويقول يوسابيوس القيصري: “مرقس تكون في الظروف التالية: بشر بطرس بالكلمة وأعلن بالروح الإنجيل، وكانوا الحضور كثيرين، طلبوا من مرقس كما حضره من الفترة الأولى (على الرب يقصد) ويتذكر ما قيل، ليكتب الذي قيل. وهو كون الإنجيل وسلمه للذي قدموا الطلب له، وأتى إلى علم بطرس فلم يرفض ويشجع.
And that the Gospel according to Mark having preached the word publicly at Rome, and by the Spirit proclaimed the Gospel; those who were present, who were numerous, entreated Mark, inasmuch as he had attended Him from an early period; and remembered what had been said, to write down what had been spoken. On his composing the Gospel, he handed it to those who had made the request to him; which coming to peter s knowledge, he neither hindered nor encouraged.
أما ما يجعلنا نتأكد أن الإنجيل هو فعلا إنجيل مرقس، وأنه مكتوب بالنسخة الأصلية، سيكون هذا في المرة القادمة… لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين.
القمص أنجيلوس جرجس