• 21 نوفمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

الصراخ على المنبر .. بقلم / أمينة خيري

أم لا تصيح فى أبنائها إلا للشديد القوى. تعاملهم بالحسنى، وتنتهج الهدوء والحزم إن أخطأوا. تؤمن أن التنشئة السليمة لا تتحقق بالصراخ والصياح، تعنى أبناء عقلاء لا يعتنقون مبدأ الصراخ. كاهن أو رجل دين يعتنق مبدأ الحسنى فى الوعظ والإرشاد. حين يتحدث مع الناس يؤمن أن الطريق إلى الله يأتى بالحسنى. وإن أخطأوا، فهو يعلم أن تهذيب النفس لا يحدث بالتهديد والتوعُّد بالعذاب والنار والحرق والسحل، بل بالحسنى.

وهو إن اعتلى منبرًا، يعلم أن هذا يعنى أنه قدوة لمَن يحضرون الصلاة أو العظة أو الدرس، فإن مالت القدوة إلى الصراخ والصياح والتهديد والوعيد، فإن جموع المؤمنين ستصبح جموعًا صارخة مُهدِّدة ومُتوعِّدة بعضها ببئس المصير فى الآخرة و«السنجة» و«المطوة» والشتائم فى الدنيا. أما الآخرة، فتبقى فى علم الخالق، عز وجل. المنطق يقول إن الدين يدعو إلى التهذيب، وفى التهذيب لا مجال للصراخ.

تداعت هذه الأفكار على رأسى، بينما أحاول أن أفسر شيئًا مما يقوله ما لا يقل عن خمسة خطباء فى خمسة مساجد فى مربع صغير فى مدينة الشروق يوم الجمعة الماضى فى الوقت نفسه، وقت صلاة الجمعة. أقسم بالله العظيم فشلت فى تفسير جملة واحدة. لماذا؟، بالإضافة إلى تقارب المساجد، وعدد مكبرات الصوت الكبير الملحق بكل مسجد، لدرجة أن أحدها مشيد على جزيرة فى منتصف الطريق على مساحة غرفة متناهية الصغر ومزود بـ10 أو 6 مكبرات صوت تعمل جميعها بكفاءة عالية، فإن الخطباء كانوا يصرخون ويصيحون.

أعلم تمامًا أن محتوى الخطبة بكل تأكيد عظيم ورائع. لكن ما جدوى عظمة المحتوى وروعته حين يفسده الصراخ؟!. متلازمة الصراخ ظهرت مع مشايخ الكاسيت، الذين عمدوا إلى «تشويه» الدين منذ سبعينيات القرن الماضى. الطبيعة البشرية تدفع صاحبها إلى التوقف أثناء السير أو الإسراع إلى شرفة البيت إن سمع صوت خناقة يتصاعد فيها الصراخ والصياح.

والمثل يقول «مَن شبَّ على شىء، شاب عليه». وقد شاب الملايين على أن الصراخ سمة عادية من سمات الحياة. نحن نصرخ طيلة الوقت. نغضب فنصرخ، نفرح فنصرخ، نغنى فنصرخ، نحتفل بزفاف أو عيد ميلاد فنصرخ، نحزن فى وفاة فنصرخ، نربى أبناءنا فنصرخ فيهم، نقوم أتباع الدين فنصرخ. والأجدر بالدين- أى دين- ألّا يكتفى بشرح العبادات وسرد قصص الأولين.

مطلوب تنشئة المجتمع على الهدوء والسكينة، وليس تقديم نماذج وأيقونات وقدوات تعتمد على الصراخ والصياح. وإذا كنا نعلم صغارنا أن مَن يصِح يُنفر الآخرين ويُفرغ ما يقول من مضمونه، فإن الأولى بنا أن نتأكد من أن أجِلّاءنا من رجال الدين يكفون عن الصراخ والصياح. لقد هرمنا وهرمت أخلاقنا. ملحوظة لأصحاب الهسهس: الصياح والصراخ مرفوضان سواء كانا فى الدين أو الدنيا. بمعنى آخر، الاعتراض على صياح خطيب الجمعة لا يعنى بالضرورة رضا عن صراخ الأغانى المُسِفّة.

المقال السابق

بعد فوزه .. مستشار ألمانيا الجديد يكشف عن أول مهمة سياسية له

المقال التالي

الهروب الكبير ! .. بقلم / عبد المنعم سعيد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *