«شكرًا على كل حاجة وأنا آسف »، تلك العبارة كانت آخر الكلمات التي أرسلها طالب كلية الطب إلى والديه قبل انتحاره الأسبوع الماضى ملقيًا بنفسه من شرفة كليته، واقعة الانتحار تلك ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
خلال نفس الأسبوع شهدنا على «السوشيال ميديا» فيديو يُوثق واقعة انتحار طالبة بكلية طب الأسنان، ألقت نفسها من ارتفاع كبير داخل مول شهير بمدينة نصر.
تكرار حوادث الانتحار، خلال الأسبوع الماضى، دفع البعض لوصفه بـ«أسبوع الانتحار الأسود»، ما يستدعى ضرورة تكاتف وسائل الإعلام والأطباء النفسيين والجهات المعنية بالدولة لمواجهة محاولة الانتحار والتفكير به قبل أن نفقد كل يوم روحاً غالية على قلوبنا.
يقول الدكتور محمود الوصيفى، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة المنصورة، لـ«صحتك بالدنيا»: «إن 800 ألف شخص بالعالم يُقدِمون على الانتحار سنويًّا، أي أنه كل 40 ثانية يُنهى شخص حياته بيده، وأمام كل حالة انتحار، هناك 20 حالة حاولت الانتحار وفشلت، بالإضافة إلى أن معدل الانتحار في الرجال أكثر بثلاثة أضعاف معدلاتها في النساء، ويأتى ترتيب مصر في معدل الانتحار 152 من أصل 183 دولة وفق تقرير منظمة الصحة العالمية 2016».
وحول العلامات التي يجب علينا مراقبتها لتجنب إقدام الشخص على الانتحار، يقول أستاذ الطب النفسى إنها تتمثل في تغير مفاجئ في الشخصية، والشعور بالإحباط، والتحدث عن الموت بشكل مبالغ فيه، أو محاولة الانتحار، والقيام بأفعال خطرة ومتهورة، والحزن المفرط والتقلبات المزاجية، والهدوء المفاجئ، بعد تقلبات المزاج، وتغير نمط النوم، والعزلة، واضطرابات الأكل، والانسحاب من العلاقات العامة، والمرور بصدمة أو حادثة مؤثرة، والقيام بوداع الأحبة، وغالبًا تكون من خلال الرسائل.
وقالت الدكتورة إيمان جابر، مدير إدارة الأطفال والمراهقين بالأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، إن فئة المراهقين من أكثر الفئات عرضة للانتحار على مستوى العالم، لأن هذه المرحلة تتميز بالاندفاعية الشديدة، بجانب الضغوط وقلة الخبرة، كل ذلك من الممكن أن يتسبب في حالات الانتحار.
وأضافت: «يجب نصح أي شخص يمر بحالة نفسية بالذهاب للمتخصصين لعدم الوصول لمرحلة التفكير في إيذاء أنفسهم وعدم وجود أي شخص يساعده»، موضحة أن الشخص الذي يفكر في الانتحار يكون ظاهرًا عليه ذلك، بحديثه عن الموت بشكل كثير «وإنه عايز يموّت نفسه».
وتابعت: «بنقول للناس ناخد الكلام بأهمية شديدة جدًا لو الشاب مش بيفكر بشكل جدى يبقى مخسرناش حاجة ولكنه لو بيفكر ومأخدناش خطوات لحمايته، فأكيد هيبقى في مشكلة كبيرة».
وأضافت مدير إدارة الأطفال والمراهقين بأمانة الصحة النفسية أن تزايد حالات الانتحار والاكتئاب في صفوف المراهقين كان ناقوس إنذار دفع الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة، لإعلان عام 2022 عامًا للصحة النفسية للمراهقين، للتغلب على العواقب السلبية لوباء كورونا وتأثيره على الصحة النفسية للمراهقين، ولإعداد هذه الفئة لمرحلة ما بعد كورونا، حيث لوحظت الزيادة في معدل الاكتئاب والقلق وخاصة الرهاب الاجتماعى، ما أدى للاكتفاء بالعالم الافتراضى في كثير من الحالات، الذي تبعه زيادة فترات استخدام الإنترنت والألعاب الإلكترونية.
وأشارت إلى أن الحملة تستهدف كلًّا من المراهقين وأسرهم، وسيتم تكوين مجموعات دعم الشباب لنشر الرسالة، من خلال مجموعة دعم الأقران المنفذة في المدارس والنوادى والجامعات وعمل مجموعة من الندوات التثقيفية داخل الأندية الرياضية ومراكز الشباب وتوزيع مطبوعات لنشر الوعى المجتمعى، وعمل تدريبات للأسر عن كيفية تربية المراهق والتغلب على تحديات المراهقة.
وتابعت: «الفترة الماضية لاحظنا أن فئة المراهقين من أكثر المتعاملين مع خدمات الخط الساخن للدعم النفسى، وأن 80% من مشاكلهم نفسية، وبالتالى الحفاظ على الصحة النفسية لهذه الفئة يُقلل نسب حدوث الأمراض النفسية في المجتمع، كما لاحظنا أن هذه الفئة اعتادت الجلوس على الإنترنت والعالم الافتراضى وعدم التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم، وبالتالى هم الأكثر حاجة للدعم والتدخل، ولذا قررنا أن يكون هذا العام هو عام الصحة النفسية للمراهقين».
وقال الدكتور إبراهيم مجدى، استشارى الطب النفسى بجامعة عين شمس، يجب التفرقة بأن ليس كل شخص يقدم على الانتحار يكون مريضًا نفسيًا أو مصابًا بالاكتئاب، وليس كل مريض نفسى يقوم بالانتحار، مشيرًا إلى أن هناك أشخاصًا يقدمون على الانتحار لأنهم يواجهون مشاكل في الحياة وليس لديهم طرق لحل المشكلة.
وأضاف: يجب توعية هذه الفئة بكيفية حل مشاكلهم والتعامل مع مشاكلهم الاقتصادية أو العاطفية أو مشاكل العمل، لأنهم يصلون لمرحلة أن الانتحار يكون حلًا وهم بحاجة للتوعية، وأن يسمعهم أي شخص ويساعدهم على حل مشاكلهم.
وتابع: مرض الاكتئاب من أعراضه الأفكار الانتحارية وتتحول لمحاولات انتحار، مؤكدًا أن هذا الاكتئاب يكون سببه بيولوجيًّا عضويًّا نتيجة خلل في كيمياء المخ تجعل الشخص مزاجه حزينًا ورافضًا الرغبة في الحياة، وليس شرطًا أن يعانى من مشاكل.