لاتزال «الفحولة» تمثل هاجسا للرجال الذين يعانون من الضعف الجنسى، منهم من يطرق أبواب الطبيب للبحث عن علاج لتحسين قدرته، بينما يلجأ آخرون إلى الصيدليات وتجار السوق السوداء لشراء المنشطات الجنسية، أما الفريق الثالث فينتهى به المطاف عند دكان العطار رغم أن الكثير من هذه العقاقير له آثار جانبية خطيرة على متعاطيها، حسبما أكد لنا عدد من خبراء الصحة.
هذا الملف الشائك الذى يدخل إلى أهم خصوصيات المواطن، وهل هو قادر على الشعور بالسعادة أم أنه يطاردها دون فائدة، خصوصا مع محاولة المجتمع تجاهل الأزمة والمرور عليها بنكتة أو كاريكاتير دون اعتراف بالمرض.
تجارة «المنشطات الجنسية» تصل إلى 2 مليار جنيه.. وتمثل 2.8% من سوق الدواء
تكشف الإحصائيات الرسمية التى حصلت عليها «المصرى اليوم» أن تجارة المنشطات الجنسية فى مصر خلال العام الماضى وصلت إلى مليار و930 مليونا و606 آلاف جنيه، بنسبة تمثل 2.82% من حجم سوق الدواء فى مصر، وتم بيع 41 مليونا و985 ألفا و422 علبة من المنشطات الجنسية.
الواقع أن عوامل عديدة تجعلنا متأكدين من غياب الرضا والسعادة عن غرف النوم فى مصر لارتفاع عدد حالات الطلاق المبكر، إلى نحو 213 ألف حالة، خلال العام الماضى، وفق تقرير جهاز التعبئة العامة والإحصاء، الصادر فى أغسطس الماضى، بواقع حالة كل دقيقتين، وحسب وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، فنسبة 65% من الحالات تكون فى السنة الأولى من الزواج لشباب غالبيتهم أقل من 35 سنة، ما يشير إلى عدم الرضا الجنسى بين الطرفين، ما يدفع ملايين الرجال للبحث عن عامل مساعد، سواء كان مواد طبيعية من محال العطارة أو منشطات جنسية من الصيدليات أو من باعة الأرصفة.
وتشيع بين الشباب ثقافة شعبية مضللة تروج لأفكار عن الجنس ليس لها علاقة بالواقع أو العلم عن زمن اللقاء الحميمى والطبيعة الجنسية للمرأة والرجل على السواء، كما يتلقى الشباب معظم النصائح الخاصة بغرف النوم إما من الكبار أو أقرانهم الذين يبالغون فى الأمر والنتيجة واحدة: لجوء الشباب إلى منشطات جنسية مجهولة وفى العادة يكررون تناولها.
وفق أطباء تحدثت معهم «المصرى اليوم»، فإن أى منشط جنسى، سواء كان مناسبا للمستخدم أم لا، سيصيبه بأعراض، منها اضطرابات فى المعدة والإسهال، والصداع وآلام شديدة فى الرأس، واضطراب ضغط الدم، والطفح الجلدى، والتهاب المسالك البولية، وقد يصل الأمر لعدم وضوح الرؤية، والحساسية الشديدة للضوء، ومع كثرة تناول المنشطات يصاب الرجل بمشاكل عديدة.
ولا يقتصر سوق المنشطات الجنسية على فئة أو طبقة، إذ يتفنن الرجال فى شراء أنواع متعددة، تبدأ من الفياجرا القرص الأزرق الشهير الذى بدأ الإقبال عليه من جانب الفئات الأكبر سنا والأكثر دخلا، خصوصا مع ارتفاع ثمنه، لكن مع مرور الوقت ارتفعت نسبة الشباب الذين يستخدمون القرص السحرى، كما ارتفع استخدام المنشطات فى المناطق الريفية.
وسرعان ما انتشر فى السوق المصرية العشوائية مئات الأنواع من المنشطات الجنسية دون رقابة، خصوصا أن معظمها إما مهرب عن طريق الموانئ أو مصنوع فى معامل «بير سلم»، وحسب الصيدلى سيد العسال، فإن المنشطات الجنسية المستوردة خطيرة على الصحة العامة للمستهلك بنسبة 70% لعدم معرفة المادة الفعالة الموجودة فى هذه العقاقير.
العسال كشف أن أغلب المنشطات الجنسية مستوردة من الصين مثل أكياس العسل والجيل وأسعارها متقاربة، حيث يصل سعر العبوة الواحدة لـ10 جنيهات وتباع داخل الصيدليات وعند العطارين.
ولا تقتصر المنشطات الجنسية على الرجال، إذ توجد 7 أنواع تتناولها السيدات لعلاج البرود الجنسى منها المناديل المنشطة المحتوية على هرمونات، و«اللبان الجنسى» والجيل والنقط والنسكافيه. وأشار العسال إلى أن المنشط الذى يأتى فى شكل نقط تم حظر استيراده لأنه كان يسهل من وقائع اغتصاب السيدات، اللافت، وفق العسال، أن سيدات يحرصن على شراء الفياجرا لأزواجهن.
وحذر العسال من أن أصحاب محال العطارة يصنعون خلطات يطلقون عليها منشطا جنسيا، وهى مجرد أعشاب وعسل مخلوطة بمنشطات جنسية مهربة ويغلفونها ويبيعونها للمواطنين.
رغم خطورة وحساسية مسألة المنشطات الجنسية إلا أن تداولها يتم بشكل فوضوى وعشوائى فى غياب شبه تام لرقابة الجهات المعنية، وحسب محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، فإن أى شخص مهما كان عمره أو مستواه الصحى يستطيع شراء المنشط الجنسى عن طريق صفحات «فيس بوك» أو الجيم أو الكوافير وعن طريق الإعلانات المنتشرة فى الفضائيات وأحيانا من المولات الكبيرة.
وأوضح فؤاد، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، أن هناك سوقا أخرى موازية هى البضاعة المهربة أو بضاعة «بير السلم» وتعتمد عليها الشريحة الأكبر من المواطنين وغير معلوم حجمها الفعلى رغم أنها الأكثر تداولا، محذرا من خطورة الإسراف فى استخدامها بسبب أعراضها الجانبية على المدى البعيد وتصل إلى العجز الجنسى، مطالبا بمنع صرف أى منشط جنسى دون روشتة للحفاظ على صحة المواطن، خاصة أن المنشطات تتسبب فى أضرار بالغة لمرضى القلب والسكر والضغط.
وأوضح فؤاد أن انخفاض المستوى الثقافى والاقتصادى للمواطن يجعله لا يفضل استشارة الطبيب إذا أصابه عارض جنسى لذا يلجأ إلى أحد الصيادلة الذين يوافق أغلبيتهم على صرف الدواء دون روشتة، ما ينبه إلى ضرورة تغليظ عقوبة الصيدلى المتساهل.
الدولة تحارب مافيا «المنشطات» من خلال ثلاث جهات مختلفة
خلال جولة ميدانية لها، أسعار المنشطات الجنسية المحلية والمستوردة، وبيع أقراص المنشطات على الأرصفة، وانتقلت إلى عدد من محال العطارين للكشف عن مدى الإقبال على شراء الخلطات السرية، على حد وصفهم، لتحسين «قدرة الرجال»، وتحدثت مع مجموعة من الخبراء فى مجال الصحة وعلم النفس حول الموضوع.
حسب صيادلة وخبراء أدوية، يوجد فى السوق المحلية 73 مستحضرا، وهو عدد ضخم يكفى لتغطية السوق، إذ قال الدكتور محمد فهمى، استشارى تسويق الأدوية، لـ«المصرى اليوم»، إن حجم تجارة المنشطات الجنسية ارتفع إلى مليار و930 مليونا و606 ألف جنيه العام الماضى، بنسبة 2.82% من حجم السوق، البالغ 80 مليار جنيه، بواقع 41 مليونا و985 ألفا و422 عبوة منشطات جنسية، لافتاً إلى أن النسبة الغالبة من الزبائن من فئة الشباب.
وتعتبر الفياجرا «Viagra» هى الأغلى سعراً من بين المنشّطات الجنسية ويتراوح سعر العبوة المستوردة بين 50 و100 جنيه، بينما يتراوح سعر قرص الفياجرا المصرى بين 2 و10 جنيهات، وترتفع قيمة الفياجرا المحلى الخاص بعلاج سرعة القذف ويصل ثمن القرص الواحد لـ30 جنيها.
ويوجد لاصق يتم وضعه على اللسان لمدة 5 دقائق ويعطى نفس المادة الفعالة للأقراص ويصل سعره لـ10 جنيهات، أما الدهان الموضعى فيتراوح سعر العبوة الواحدة بين 15 و25 جنيها.
وأكد الصيدلى أحمد رياض نمو سوق المنشطات الجنسية بنسبة 20%، خصوصا أن الطلب عليها مستمر طوال السنة مع ارتفاع ملحوظ على الاستهلاك فى الأعياد، بجانب يوم الخميس من كل أسبوع، خصوصا من شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً.
وأشار رياض إلى زيادة نسبة بيع المنشطات الجنسية خلال شهور حظر التجوال للحد من انتشار فيروس كورونا، حيث زاد حرص الرجال على ممارسة الجنس مع زوجاتهم.
الدكتور على عوف، رئيس شعبة الصيادلة، أوضح، لـ«المصرى اليوم»، ضرورة توعية المواطنين بخطورة تناول أى منشطات أو أدوية مجهولة المصدر والتوقف عن شرائها خصوصا مع الترويج لها عن طريق «فيس بوك»، والمحطات الفضائية غير المرخصة أو غير التابعة لمدينة الإنتاج الإعلامى.
وأوضح عوف أن الدولة تحارب مافيا المنشطات الجنسية من خلال ٣ جهات: الأولى هيئة الدواء المصرية، التى تتبع إعلانات المنشطات على السوشيال ميديا لكن العقوبة غير رادعة، لا تزيد عن تغريم المخالف ١٠٠ جنيه.
وأشار عوف إلى الدور الكبير لوزارة الداخلية فى تتبع الأماكن التى تبيع المنشطات والأدوية مجهولة المصدر، كذلك جهاز حماية المستهلك، مطالبا بتشديد الرقابة على الصيدليات التى لا يديرها صيادلة وتبيع المنشطات الجنسية المجهولة والمصنعة تحت بير السلم، ما يعرض حياة المواطنين للخطر، ومن المفترض أن تمارس النقابات الطبية دورا رقابيا للحفاظ على أعضائها وصحة المواطنين فى الوقت نفسه.
« شكاوى وطلاق وقتل » نهايات غير سعيدة لـ«علاقات فاشلة»
العجز الجنسى، عادة ما يكون سببا فى الانفصال، وقد يصل الأمر إلى ساحات المحاكم، من الأسرة إلى الجنايات، إذ تتم ترجمة الفشل فى العلاقة الحميمية إلى مشاحنات بين الأزواج قد تدفع أحدهما لارتكاب جريمة أو على الأقل يجبر الزوجة على طلب الطلاق.
فاتن إحدى الشابات اللاتى فوجئن بأن زوجها حسن، الشاب المهذب الذى يعمل فى وظيفة جيدة وميسور الحال، عاجز عن ممارسة العلاقة الزوجية خصوصا بعد مرور 10 أيام على ليلة الدخلة الوهمية.
قالت فاتن : «رغم إصرار حسن على إتمام الزواج خلال 3 أشهر، إلا أن هذا الشغف لم يتم ترجمته إلى علاقة زوجية مكتملة، فانفصلت عنه بعد مرور 6 أشهر من الزواج لأحصل على لقب مطلقة عذراء». يمكن معرفة نتائج العجز الجنسى من مكتب الشكاوى التابع للمجلس القومى المرأة الذى تلقى نحو 3110 شكاوى من نساء خلال أغسطس الماضى، منها ما يتعلق بالطلاق والخلع والنفقات بأنواعها ودعوى ضم الأطفال، وتصدرت محافظة القاهرة قائمة الشكاوى بنسبة 22.19% تليها محافظة الإسكندرية بنسبة 4.86%، والسويس 2.12%.
لا تتوقف الخلافات الزوجية بسبب الضعف الجنسى للزوج عند المشادات الكلامية لكنها تصل إلى دعاوى الخلع وأحيانا القتل، منها واقعة تخلص حارس عقار من زوجته ردا على سخريتها من ضعفه الجنسى. وحسب تحقيقات النيابة، وصل إلى قسم شرطة الساحل بلاغ من «محمد. ا»، 34 سنة، حارس عقار، يفيد بوفاة زوجته «نعمة. س»، 17 سنة، ربة منزل، وبعد التضييق عليه اعترف فى التحقيقات بالجريمة.
أطباء : قلة الوعى سبب اتجاه الشباب لتجارب غير صحية
الرغبة فى امتلاك قدرة أسطورية على ممارسة الجنس تدفع الرجال والشباب لاعتناق أفكار عن المتعة ليست لها علاقة بالعلم أو المنطق، إذ يعتقدون أن تناول قرص أو جرعة من دواء قادر على تحويل الفرد إلى آلة جنس قادرة على العمل ساعات وكأنه ممثل أفلام بورنو، رغم أن الجنس لا يقاس بالزمن ولكن بالإشباع وبالسعادة لو كانت لحظات.
يرى الدكتور جمال فرويز، الطبيب النفسى، أن إقبال الرجال، خصوصا الشباب منهم، على تعاطى المنشطات الجنسية يعود لضعف الثقافة وقلة الوعى، إذ إن الإسراف فى تناول المنشطات قد يؤدى للوفاة مثل الواقعة التى جرت فى بريطانيا عندما توفى مجموعة من الشباب عقب عودتهم من تايلاند وتم اكتشاف أن الوفاة سببها الإفراط فى تناول المنشطات الجنسية بصورة يومية ما أصاب الضحايا بهبوط حاد فى عضلة القلب. وحذر فرويز، من جلسات الشباب التى تدور حول العلاقات الجنسية، ومحاولة تقليد الأفلام الجنسية التى لا تمت للواقع بصلة.
وطالب فرويز بتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية، بقوله: «مينفعش نغمض عنينا طول الوقت، ولازم نوعى المراهقين والشباب بأسلوب علمى بدلا من تركهم فريسة أمام مواقع الإثارة الرخيصة التى توحى بمعلومات مغلوطة عن الرغبة الطبيعية الموجودة لدى كل شاب وفتاة ما يدفعهم إلى مشاهدة الأفلام الجنسية التى تكوّن لديهم تصورا خياليا عن الجنس والعلاقات العاطفية».
أما الدكتور وائل زهدى، أستاذ الذكورة بكلية طب قصر العينى، فيوضح أن الضعف الجنسى ليس ظاهرة حديثة لكنها موجودة منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن الضعف الذى يصيب الشباب يعود لأسباب نفسية، أما عند الرجال بعد سن الـ٤٥ عاما فعضوى.
ولفت زهدى إلى غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة عن المصابين بالضعف الجنسى، لكنه يرصد استقبال عيادات مستشفى قصر العينى مئات الحالات يوميا.
وأرجع زهدى سبب الضعف الجنسى عند الشباب إلى القلق والتوتر والخوف من خوض التجربة الجنسية، فبدلا من استمتاع الشاب يحاول مراقبة نفسه خشية الفشل، باعتبار الأمر يمثل تحديا بسبب طبيعة المجتمع وثقافته العامة، وفى هذه الحالة يكون العلاج أخذ مهدئ أو مضاد للاكتئاب وليس أى منشط حتى لا تكون النتيجة عكسية على المدى البعيد.
وحذر زهدى من الاستماع لنصائح الأصدقاء التى ليس لها علاقة بالطب لأن تعاطى أى منشط بناء على نصيحة غير الأطباء خطر جدا.
أما الدكتور أحمد مراد، استشارى أمراض الذكورة، فرصد انتشار استخدام المنشطات الجنسية بين كثير من الرجال، وقال: «من الطبيعى أن يرغب الزوجان فى الحصول على أعلى معدلات الأداء الجنسى والمتعة فى الفراش، ولكن أزواج كثيرين يهملون مخاطر استخدام المنشطات كحل دائم لمشكلة الضعف الجنسى».
وقال مراد: «رغم أن المنشطات حل مساعد فى بعض الحالات، خاصة مع التقدم فى العمر، إلا أنها قد تؤدى إلى أضرار أكبر من نفعها إذا استخدمها المريض بشكل مفرط وبدون استشارة الطبيب، لأن المنشطات لا تعالج المشكلة العضوية الأساسية، لأنها حل مؤقت يعمل على زيادة القدرة على الانتصاب ما يحسن العلاقة الزوجية».
وحذر مراد من الإفراط فى استخدام المنشطات لأنها تجعل الجسم يعتمد عليها كليا، وبعدها لا يستجيب المريض لها وتؤثر بشدة على قدرته وقد تتسبب فى تليف نسيج العضو الذكرى، وانحرافه وتشوهه.
وأكد مراد أن كثيرا من المرضى يلجأون لاستخدام منشطات جنسية مجهولة المصدر وغير مصرح باستخدامها من وزارة الصحة معتقدين أنها مواد طبيعية ستخلصهم من مشكلتهم، ولكن ما يجهله المريض أن هذه المواد مجرد جرعات مكثفة من المنشطات شديدة الخطورة قد تنهى حياته.
وشدد مراد على ضرورة إصدار تشريع أو قانون يمنع تداول المنشطات الجنسية من الصيدليات سوى عن طريق تقديم روشتة صادرة عن طبيب، لأنه الأقدر على معرفة الأنسب للمريض، بالإضافة إلى إيقاف بث الفضائيات المروجة للمنشطات الوهمية، وتشديد الرقابة على الجمارك للحد من التهريب.