تتغير ملامح النظام العالمى بسرعة كبيرة مع تغير المصالح وفك وتركيب التحالفات التقليدية واستبدال القوى العظمى حلفائهم القدامى بحلفاء جدد يمكن الاعتماد عليهم فيما هو قادم مع بزوغ حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين، وظهور ما سمى بتحالف أوكوس الأمنى الثلاثى بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتأثيره السلبى على العلاقات الأمريكية الفرنسية، وغياب ألمانيا عن قيادة الاتحاد الأوروبى عقب رحيل المستشارة أنجيلا ميركل وخسارة حزبها الموجعة للانتخابات الأخيرة.
نحن أمام مشهد لعالم جديد لا تتحكم فيه القوى التقليدية بعدما خارت قواها بسبب خسائر جائحة كورونا وتأثيرها الاقتصادى المدمر، واستقبال خسائر أخرى متوقعة مع ارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع النمو العالمى وارتفاع أسعار السلع، وهو ما قد ينذر بعواقب قاسية على الاقتصاد العالمى.
عالم يكافح من أجل المحافظة على السلام فى ظل صراعات مستعرة على مستويات عدة بين الشرق والغرب والجنوب والشمال وعلى امتداد خريطة العالم، لحظة حرجة تحتاج إلى صوت العقل أكثر من لعلعة الرصاص.
تظهر شمس مصر فى اللحظات الدقيقة من عمر التاريخ، صوت عاقل ومتزن فى عالم مادى فقد إنسانيته، تمارس الدبلوماسية النشطة بحكمة لتصنع تحالفات جديدة تحمى شعبها والشعوب الأخرى من أثر الصراعات الملتهبة، تحقق مصالحها عبر شراكات اقتصادية مع تكتلات جديدة أثبتت حضورها ومكانتها مثل تحالف فيشجراد الذى يضم 4 دول أوروبية هى المجر وسلوفاكيا والتشيك وبولندا، وهو تكتل سياسى وعسكرى وثقافى ويمكن اعتباره القوة الأوروبية الثانية بعد الاتحاد الأوروبى.
للمرة الثانية يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اجتماعات فيشجراد لتكون مصر هى الدولة الوحيدة من خارج الدول المشاركة فى اجتماعات التحالف، وهو احتفاء خاص من جانب أوروبا بمصر باعتبارها القوة العربية والإفريقية والبحر أوسطية البازغة فى الإقليم، فمصر اليوم تختلف كثيرا عن مصر قبل 10 سنوات، فالعالم يتعامل مع قوة إقليمية تمتلك القدرة وناجحة اقتصاديا وتعمل من أجل السلام وتقدر المصالح المشتركة للدول ولديها علاقات متزنة بالقوى العظمى وهى صفات ومزايا تؤهلها لأن تكون شريكا مثاليا لأى تحالف ينشأ فى النظام العالمى الجديد.
أفصحت الجمهورية الجديدة فى مصر عن نفسها فى بودابست، وكان صوتها يتردد فى جنبات أوروبا بصوت مصرى صميم تعلن أنها تحب شعبها وتحترم الانسان وتعامل اللاجئ كضيف لا يعيش فى معسكرات وتعمل على وقف الهجرة غير الشرعية حتى لا تضيع حياة الإنسان فى قاع البحر، إذ كان صوت الرئيس السيسى هو صوت الضمير الإنسانى فى عالم يزايد بالشعارات فقط.
الجمهورية الجديدة هى جمهورية الإنسان، فالاهتمام بالإنسان هو محرك كل طاقات الدولة المصرية، إذ تكفى الإشارة إلى مشروع حياة كريمة أو مشروع القرن فى مصر والذى يستهدف توفير جودة الحياة لأكثر من 60 مليون مصري، وهو مشروع حقوقى بامتياز تؤكد به الجمهورية الجديدة أن الإنسان هو بوصلتها الوحيدة.
صوت مصر فى بودابست كان قويا وحازما: نحن لا نحتاج لدروس من أحد فى حقوق الإنسان، فالدولة المصرية مؤتمنة على حياة شعبها وضيوفها، وتسعى لشراكة وتعاون أوسع مع أوروبا من أجل الإنسان، وقدمت الحل الأمثل لأزمة الهجرة غير الشرعية وهو المحافظة على استقرار الدول والتوقف عن الضغوط السياسية والتلاعب بأمن واستقرار دول جنوب المتوسط، حتى يمكن لتلك الدول العودة مرة أخرى وحماية شعوبها من خطر الغرق فى المتوسط بحثا عن مكان آمن.
على أوروبا مراجعة مواقفها والتوقف عن لغة الإملاء فيما يتعلق بحقوق الإنسان فى مصر، وأن تعتمد على الحقائق وتتجاهل المعلومات المشوهة، فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان، وأن تسمع لصوت العقل، فشعوب جنوب المتوسط لن تحتمل صراعات أخرى على تخوم الحرب الباردة الجديدة.