موقف بسيط ..
لكني تعلمت منه اكثر من درس جميل
من حياة مثلث الرحمات الانبا كاراس .. صاحب السيرة العطرة ..
“كَانَ مَحْبُوباً عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ، مُبَارَكَ الذِّكْرِ، فَآتَاهُ مَجْداً كَمَجْدِ الْقِدِّيسِينَ”
(يش ٤٥: ١، ٢)
تقابلت مع ابونا متياس الصموئيلي (نيافة الأنبا كاراس) لأول مرة بدير الأنبا صموئيل في عام ١٩٨٣ (بعد رهبنته بشهور قليلة) وكنا كلانا شابين في العشرينات من عمرنا ، وجمعنا معًا حبنا الالحان والتسبحة فكنا نقضي اوقات طويلة معا أثناء زياراتي الدير في الحديث عن الحان كنيستنا العريقة وجمال تسابيحها وطقوسها
وزادت محبتنا بعضنا لبعض جدًا لدرجة اني كنت اقضي معظم اوقات زيارتي للدير بصحبة هذا الراهب القديس ، نقضي معظم الوقت ما بين التسبحة ثم القداس ، فالمائدة، والمكتبة، وبعدها نتجول بين مزارع ومشروعات الدير العامر …
وفي كل مرة كنت ازوره بالدير يفرح جدا بان احضر معي نسخة من اشرطة الكاسيت التي تحتوي علي الحان وطقوس الكنيسة بصوت المعلم ابراهيم عياد (ذو الصوت العذب) الذي كان يعشق صوته ويحب الحانه وطريقة أدائه
واقدمها كهدية له فيفرح بها
في ذات مرة كنا نتمشي في مزارع الدير ، حكي لي نيافته عن موضوع مضايقه ، وهو ان احد الرهبان يهيمن علي الميكروفون وقيادة المردات اثناء القداسات دون ان يعطي فرصة لاحد ، وطلب مني نيافته نصيحة تساعده في التغلب علي حالة الضيق والضجر الذي يسببه تصرف هذا الراهب
وكان ردي عليه ببساطة هو : اني تعلمت من اب اعترافي (وهو ابونا كيرلس البراموسي ، مثلث الرحمات الانبا كيرلس مطران ميلانو المتنيح) ان الله لا يسمع فقط لهزة اللحن انما يسمع بالاكثر لهزة المحبة ، فهزة المحبة هي التي تهز السماء اكثر من هزة اللحن ،
والخلاصة (اترك هذا الراهب يتمتع بهزات باللحن وتمتع انت بهزات المحبة)
ففرح نيافته بهذا الرد الذي اراحه كثيرا
ومرت سنوات وسنوات وانا نسيت هذا الموقف ، وتقابلنا بعد اكثر من ٣٠ سنة بعد ان اصبح نيافته أسقفًا عاما للمحلة الكبري وانا اخذت نعمة الكهنوت بالسويد، وكان قد طلب ان مني انا ازوره بالمحلة اثناء اجازتي السنوية بمصر (لانه كان قد احضر لي كمية من الملابس والغيارات الداخلية والمنسوجات من قطن المحلة ذو الجودة العالية) وفرح جدا بزيارتي لنيافته وقضاء يومين بالمحلة
وفي تواضع ومحبة (منقطعة النظير ) وجدته يقدمني للآباء كهنة المحلة ( في اجتماعهم بعد القداس في سنباط) علي اني صديقة القديم ، ويذكر امامهم انه تعلم (من ضعفي انا غير المستحق ) درس روحي مفيد في دير الانبا صموئيل ، وانه انتفع من اجابتي علي سؤاله بخصوص الراهب المهيمن علي الألحان في ذاك الموقف وفي ذاك الزمان
واعطاني نيافته درس لن انساه في التواضع وانكار الذات والاحتفاظ بالتعليم المفيد (ولو اتانا هذا التعليم من شاب اقل مني بكثير سواء في الرتبة الكنسية والقامة الروحية) ..
حقا
مستحق يا ابي هذا المكان الرفيع في سماء المجد وبين القديسين ، وهذة المكانة العالية في قلوب اولادك في كل العالم التي سكنت فيها لم تفارقها بروحك وتعاليمك ومحبتك
الرب ينيح نفسك ويقبل صلواتك النقية عنا ، ويهبنا بصلواتك توبة واستعداد
اطلب من الرب عنا ليغفر لنا خطايانا
القس ارسانى برسوم : كاهن كنيسه الانبا بولا ستوكهولم بالسويد