“شير” في الكذب
بقلم: منتصر سعد
عندما تجمعني المواقف في مناقشة قضية ما، فأبدأ كلامي بأن ربنا خلق لنا عينين فقط لا غير، ومن الأمام فقط وليس عين من الأمام وعين من الخلف، لنستطيع أن نري أمامنا وخلفنا، حتي زاوية رؤية العينين مجتمعتين هي 110 فقط وليست 180 درجة، بمعني أوضح أننا ننسي أو نتناسى إننا لانري كل ما حولنا، ولكن نري نصف الحقيقة أو أقل من النصف، فربما الحقيقة المغايرة لما نعرفه توجد في الخلف ولا نراها.
المقصد من هذا الكلام، أن الحقيقة لا يمكن أن تصل إليها إلا إذا كنت تملك كل المعلومات، ما تراها وما لا تراها، وهذا يتطلب عمل فريق كامل وليس فرد واحد، والتلاعب بالحقيقة وتحويلها إلي شك أصبح الآن بسيط جداً، فيكفي أن تأخذ جزء من الصورة لتقول للمتلقي: ماذا تري؟ وحينئذ سوف يري ما تريد أنت أن يراه، ثم تبدأ في قلب الحقيقة لدي المتلقي، أو نقل جملة ما وتبديل كلمة بدلاً من آخري ولكن مرادف الكلمة يفرق كثيراً بين الكلمة ومرادفها.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي حالياً أحد أقوي أسلحة قلب الحقائق، فلا يمكن أن تجد قصة واحدة إلا ولها وجهان منتشرة علي صفحات التواصل الاجتماعي، لأن الكل أصبح لديه مساحة يدلو فيها برأيه، ومن ثم اختلط الحابل بالنابل وجاء زر المشاركة الــ “شير” لتعم اللاحقيقة، ويصبح من لا يعلم صاحب أكبر مشاركات وتفاعل علي مواقع التواصل الاجتماعي.
الكذب أصبح حقيقة والكثيرون يصدقون الكذب ويدافعون عنه، أغلبهم لا يعلم انه كذب ولكن يصدق ما تراه عينيه ولكن لا يعلم أن عينيه لم تر إلا أقل من نصف الحقيقة وتم استخدامها لدفن الحقيقة.
أصعب تلك المواقف التي تنقلب فيها الحقيقة إلي كذب والكثيرون يصدقونها، هي كل الأخبار أو الإشاعات المتعلقة ببعض القضايا القومية والوطنية، والتي تمس أمن القومي للدولة، فتقوم الثورات والمظاهرات، بينما في بعض الأحيان لا يستطيع صناع القرار الإعلان عن الحقيقة كاملة، فالقصة لم تبدأ بعد من العدو المتخفي وراء نصف الحقيقة.
في إحدي الدورات التي حضرتها كان المحاضر يقول إن المعلومة إذا جاءت من مصدر واحد أصبحت مصدر شك حتى تثبت صحتها من مصدر آخر أو مصدرين، والأفضل هو تنوع نوعية المصدر نفسه، فلا يكون المصدران من نفس المكان أو المهنة أو حتي العلاقة بالحدث أو الهدف من تقديم المعلومة، سواء تطوعاً أو بمقابل مادي أو وظيفياً، أما ما نراه الآن من بوستات غريبة وكاذبة فما هي إلا جاهل أخذ الحقيقة من أعمي الذي شيرها من عدو لك أو لوطنك، فاحذروا نصف الحقيقة واحذروا زر الـــ “الشير” فى الكذب دون وعي أو اكتمال الصورة
** يتبع عن “الحرية بقدر المسئولية”