• 22 نوفمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

الزواج والعزلة .. بقلم / الأنبا موسى

هل الزواج يحل مشكلة العزلة؟ .. الحقيقة أن إجابة هذا السؤال يمكن أن تكون بالسلب، ذلك لأن الزوجين يمكن أن يعيشا تحت سقف واحد، دون أن يكون ثمة ارتباط حقيقى بينهما، بل بالعكس تكون هناك مسافة شاسعة بينهما من الصعب اجتيازها!! ذلك لأن الزواج يجب أن يكون اتحادًا حقيقيًّا، وليس مجرد تعايش، أو حتى تعاطف!!.

فنجد أسرًا أدمنت تصفح هواتفها لساعاتٍ طوال لأسباب تتنوع ما بين: التواصل بين الأهل والأصدقاء أو الترفيه أو العمل أون لاين أو متابعة آخر الأخبار، فأصبح الآن التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وهذه الوسائل أصبح يفضلها البعض عن التزاور لما فى التزاور من تضييع الوقت فى المواصلات، وكذلك التحدث مباشرة وجهًا لوجه يستغرق وقتًا فى الحوار والنقاش، بينما الحوار عبر وسائل التواصل الاجتماعى يتميز بوجود وفرة فى الوقت والرؤية والحوار الهادئ للتعبير.

وبمرور الوقت سوف نشاهد أمامنا مجتمعًا خاملًا لا يقوى على الحركة، ولا يفضل الحركة، إذ يجد راحة فى عدم الخروج من المنزل، والاكتفاء بمتابعة وإيجاد ما يحتاجه عبر قنوات التواصل.

أ- زواج التعايش :

هو مجرد اتفاق بين اثنين، ربما عن غير اقتناع كامل، أو قناعة كاملة، ففى أعماق أحدهما أو كليهما إحساس بالندم الدفين، أو بعدم الرضا الكامل عن هذه العلاقة أو الشركة. ربما السبب يكمن فى طموحات أو ارتباطات عاطفية قديمة، للأسف لم تصل إلى مبتغاها! أو خلافات فى التأثيث والماديات! أو إحساس بإمكانية اختيار شريك أفضل! أو شكوك متعلقة بالماضى والحاضر! أو موافقة جاءت عن ضغط الأسرة أو الظروف بسبب كبر السن أو الخوف من إفلات القطار، أو تكرار فسخ الخطبة!.. وهكذا يتفق الزوجان على الدخول فى جحر. وهذا كله شىء آخر غير الحب، وغير الارتباط.

ب- زواج العاطفة:

ربما يستريح زوجان، إذ يقولان: الحمد لله، فنحن لا نحيا على مستوى (التعايش)، بل نحن نعيش (عاطفة) حب حار، منذ أيام ما قبل الخطبة وأيام الخطبة، وحتى الآن!، وهذا شىء طيب، ولكنه لا يكفى!. لماذا؟. لأن العاطفة شىء بشرى، خاضع لإمكانيات البشر، وطبيعة النفس الإنسانية.. لذلك فهى:

1- غير ثابتة وغير دائمة.

2- متقلبة، ويمكن أن تصير كراهية شديدة للأسف.

3- أنانية، ذاتية، لا تحسن، ولا ترغب فى العطاء دون مقابل.

من هنا، فكثير من الزيجات التى بدأت بعاطفة مشبوبة، وعمادها مشاعر نفسانية، وتعبيراتها مستمدة من الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، سرعان ما تهاوت أمام أول اختبار:

– فلوسى.. وفلوسك!!

– قريبك هذا.. لماذا هذا الاهتمام به؟

– فلان.. أنا أعرف أنكِ كنتِ مرتبطة به، وتفضلينه علىَّ!!

– لماذا أنت مهتم بفلانة؟!

وهكذا تمزق الغيرة والذاتية حياة الزوجين، وتتحول العاطفة إلى سراب، بل تنقلب إلى النقيض، ويرتد كل طرف إلى العاطفة الوحيدة البديلة، وهى الأسرة الأصيلة، ويجد كل طرف من أسرته أذنًا صاغية، وعاطفة بديلة مشبوبة وينتهى كل شىء.

ج- الحب الزيجى:

من هنا كان الزواج على المستوى الإنسانى سبب مزيد من العزلة، وليس علاجًا لها. ومن هذا يصير الزواج على المستوى الإلهى شيئًا آخر، ففيه اتحاد حقيقى وكيانى بالله. إنه حب ثلاثى!، فكل من الطرفين مرتبط بالله، ومرتبط بشريكه، تمامًا كأضلاع المثلث.

هذا هو الحب الحقيقى الصامد ، فهو:

1- حب كيان لكيان، ليس على المستوى الحسى أو العاطفى فقط، بل على مستوى الكيان الإنسانى كله.

2- حب روحى، ففيه فعل النعمة الإلهية، التى تُخرج كل طرف من عزلته وأنانيته، وتدخل به إلى اتحاد صادق بالشريك.

3- حب ثابت ثبات الله الذى يبارك الشريكين، ويُشبعهما من دسم نعمته كل يوم.

4- حب محتمل، يحتمل كل طرف سلبيات الشريك الآخر، وظروفه: الصحية والنفسية والروحية، تمامًا كما يحتملنا الله!

لذلك فالخروج الحقيقى من العزلة لا يكون إلا بـ:

1- الارتباط بالله: فى حب داخلى قلبى، وحوار يومى، بل لحظى، ليل نهار، فأمامنا قديسون عاشوا السنوات الطوال فى وحدة أو عزلة عن الناس، ولكنهم لم يحسوا هذه العزلة والوحشة إطلاقًا.

2- خدمة الآخر: أى لكل البشر، من خلال الحب الإلهى المنسكب فى قلوبهم، والذى خلق منهم ينابيع حب متنقلة بين الناس، تعطى من رصيد حب لا نهائى فى قلوبهم، رصيد لا ينفد ولا يفرغ أبدًا، ولا ينتظر العوض! فالإنسان الذى يخدم لا يحس بالعزلة ولا الوحشة الداخلية، فهو فى حياة الشركة يشعر أنه عضو فى جسد البشرية الواحد، فيجد الحل فى العضوية والانتماء والحب والفرح.

3- وصية للوالدين بالاهتمام والجلوس مع أطفالهما لأوقات كافية، وتربيتهم وتشجيعهم على الأنشطة المختلفة، وتحديد أوقات محددة لمواقع التواصل، وملاحظة ما يهتمون به عبرها.

4- أما البالغون فلا ندعوهم إلى ترك وسائل التواصل، فسوف لا يسمعون لنا، فالميديا ووسائل التواصل أصبحت شيئًا أساسيًّا فى الحياة، ولكن نشجعهم على تحديد أوقات لها، وأوقات لجلوس الأسرة معًا، ووقت للأصدقاء، والأنشطة الاجتماعية، وتربية الضمير الذى يفرز ما هو مفيد وضار.

الأنبا موسى :

 أسقف الشباب العام

 بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

المقال السابق

وفاة السناتور الأميركي السابق بوب دول عن 98 عاما

المقال التالي

رسالة الوداع .. ماذا قالت ميركل للألمان

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *