عن شنودة أو يوسف أتحدث
عن طفل صغير فى الرابعة فقط من عمره تم انتزاعه من حضن أمه وأبيه اللذين لا يعرف غيرهما، ومن بيته وحجرته وحضانته وجيرانه وأصدقائه، تم انتزاعه أو اقتلاعه من جذوره وغرسه فى بيئة لم يعرفها، ومع أناس لم يتبين وجوههم من قبل.
بكى الصغير كثيراً فلم يحرك بكاؤه أحدًا، بحث عن وجه أمه وأبيه فلم ير إلا ملامح أخرى لأناس آخرين، أغراب، شعر بالغربة، أنهكه الخوف حتى نام، ظنّ أنه كابوس أو حلم قاتم وأنه سيصحو على فراشه وبيته وأسرته لكن الكابوس لم ينته بعد.
أى قسوة تلك التى نراها ونراقبها ونتتبع تفاصيلها منذ أيام؟، أى قانون هذا الذى لا يتسم بالعدالة أو بالإنسانية؟، قانون يقضى بإمكانية كفالة الأيتام فقط للمسلمين فى بلدنا ولا يسمح بذلك للمسيحيين فى بلدنا أيضا؟.. أليس علينا أن نراجع القوانين وأن نتيقن من تحقيق العدالة لكل المواطنين؟.
طفل رضيع مجهول الهوية وُجد على باب أو بجوار أو داخل كنيسة.. ماذا نتوقع عمّن وضعه فى هذا المكان بالذات؟، مسلم؟ أم مسيحى؟، حتى لو بدأت الحكاية بغلطة عدم الإبلاغ من جانب الأم والأب البديلين، أو بغلطة عدم معرفتهما بقوانين الكفالة أو حتى بنسبة الطفل إليهما، حتى لو حدث ذلك فإن هناك طفلا مسكينا تتنازعه الأيدى لم يعرف فى سنواته الأربع إلا ذلك الأب وتلك الأم فقط.
تلك هى قواعد الرحمة والإنسانية والمواطنة ولنؤجل البحث فى عدالة هذا النص القانونى وعن مواءمته لمجتمعنا المختلط أو عدم مواءمته إلى ما بعد عودته.
ليس عيبا أن نراجع قانوناً ثبت عدم إنسانيته، ليس عيبا أن نعيد إدراك وأن نعيد التذكير بأننا مجتمع مختلط يجمع المسلمين المصريين والمسيحيين المصريين، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات وتلك هى المواطنة الحقة. الدول تراجع قوانينها، ومع تقدمها وتراكم تجاربها عليها أن تؤكد مبادئ المساواة والعدالة ضمانا لاستقرارها وتقدمها وإنسانيتها.
د. درية شرف الدين