ليلة لاتنام فيها مصر
الغطاس فى كتاب المقريزى.. ليلة لا تنام فيها مصر
يُعمل بمصر فى اليوم الحادى عشر من شهر طوبة، وأصله عند النصارى: أن يحيى بن زكريا عليه السلام، المعروف عندهم بيوحنا المعمدان عمد المسيح، أى غسّله فى بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء، اتصل به الروح القدس، فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم فى الماء فى هذا اليوم وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا فى شدة البرد، ويسمّونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية.
ولما تولى الأخشيديون الحكم، كان لليلة الغطاس شأن عظيم، وكان الناس “مسلمون ومسيحيون” لا ينامون فى هذه الليلة وقد حضر المسعودى سنة 330 هـ، (يوافق 942 م) ليلة الغطاس بمصر، والأخشيد محمد بن طفج أمير مصر فى قصره، فى جزيرة منيل الروضة، وأمر بإقامة الزينة فى تلك الليلة أمام قصره، من جهته الشرقية المطلة على النيل وأوقد ألف مشعل، غير ما أوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبى فرع النيل.
وحضر فى تلك الليلة آلاف البشر، من المسلمين والمسيحيين، ومنهم من احتفلوا فى الزوارق السابحة فى النيل، ومنهم من جعلوا حفلاتهم فى البيوت المشرفة على النيل ومنهم من أقاموا الصواويين على الشواطئ مظهرين ما لا يُحصى من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر، وكانوا يقضون ليلتهم فى اللهو والعزف على آلات الطرب، والتحلى بالجواهر الثمينة والزينة.
بعد الأخشيديين آل حكم مصر إلى الفاطميين “969-1171م “، فجعلوا مصر مستقراً لهم، وعطفوا على كل المصريين على اختلاف مذاهبهم، ومنهم الأقباط، فقربوهم إليهم، وجعلوا أعيادهم أعياد رسمية فى البلاد، اشترك فيها الخلفاء أنفسهم كالنيروز والميلاد والغطاس وخميس العهد وكانوا يُخرجون من خزائنهم العطايا، ويوزعونها على رجـال الدولة، لا فرق بين مسلم ومسيحى
فكان إذا جاء عيد الغطاس يوزعون على الموظفين: الليمون، والقصب، والسمك البورى، وكان ذلك برسوم مقررة لكل شخص، وإذا رأينا إقبال الناس على أكل القصب فى هذه الليلة، واعتباره من عادات ورموز العيد فنذكّرهم بأن هذه العادة القديمة أدخلها الفاطميون فى رسوم دولتهم.
وكانت الخيام تُنصب على الشواطئ، ويأتى الخليفة ومعه أُسرته، من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة، وتوقد المشاعل فى البر والبحر، وتظهر أشعتها وقد اخترقت كبد السماء لكى تزينها بالأنوار البهية، ثم تُنصب الأسرة لرؤساء النصارى على شاطئ النيل فى خيامهم، وتوقد المشاعل، ويجلس الرئيس مع أهله، وبين يديه المغنون ثم يأتى الكهنة والرهبان وبأيديهم الصلبان، ويقيمون قداساً طويلاً ربما “قداس اللقان”.
وذكر بن إياس أن نهر النيل كان يمتلئ بالمراكب والزوارق، فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل، وتُشعل فيها الشموع، وكذلك على جانب الشواطئ يُشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس، وينزل رؤساء القبط فى المراكب، ولا يُغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل، النصارى مع المسلمين سوياً، ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة.”
من كتاب “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية “لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي”المعروف بالمقريزي
ولد في 1364 توفي في 1445
تقرير .سماح وهبي