وحده يسعى لتجفيف منابع الإرهاب بـ«الإصلاح الدينى»، وحده ينادى ولا يمل: المؤسسات الدينية، المثقفين، المبدعين.. يطالبهم بـ«إعادة فهم المعتقد» ونشر «الوعى الدينى».. وفى كل مناسبة سياسية أو اقتصادية يطل علينا الرئيس «عبدالفتاح السيسى» محذراً: (التطرف مبنى على التمييز والاستعلاء، ولو قدرنا فى المدارس والجامعات والمعاهد والدراما نتكلم عن التنوع والاختلاف.. ولو جيناً هنا هتلاقوا مفيش شكل زى التانى لأن ده الطبيعى). وما إن ينصرف عنا وينتهى البث المباشر نعود إلى نفس الممارسات اللاإنسانية التى تؤكد عدم فهمنا لحقيقة الدين ورسالته ومراد الله عز وجل «الذى يحاول أن يحتكره البعض».لا تتصور أن الرئيس الذى تابع فوضى «الأحوال الشخصية» ولا يزال يصر على إيجاد حل لمشكلة «الطلاق الشفهى» التى تدمر البيوت المصرية، لا تتصور أنه لا يتابع الصراع الدموى حول «أفكار ورؤى وتراث» من الطبيعى أن تثير «الجدل الصحى» لا أن تثير معارك «التصفية المعنوية».يتوهم البعض أن الرئيس – القادم من خلفية استخباراتية – لم يسمع عن مشكلات قانون ازدراء الأديان (المادة 98 من قانون العقوبات)، ولا عن معارك الحجاب الصاخبة ولا مآسى التبنى.. أتصور أن الرئيس أيقن من أن الفتنة لم تعد «مسيحى ومسلم» بل أصحبت (صوفى وسلفى وعلمانى وإسلام سياسى… إلخ الأطياف الفكرية). ربما لهذا دعا الرئيس إلى «حوار دينى»: (لازم نعمل الحوار ده.. سواء الإسلام أو المسيحية.. كلنا مواطنين وكل واحد بعقيدته.. حتى اللى بيقول مفيش.. هو أنا هخاف حد يقول كده فحد يروح معاه).. «ربنا قال هتيجى ناس تقول مفيش».فى كل المجتمعات المتحضرة هذا التنوع العقائدى والفكرى «ثراء وحرية».. إلا عندنا فى بلاد تتمزق بورقة الصراعات الدينية والمذهبية.. وفى كل بلاد الدنيا تقف العمائم إلى جوار رئيس البلاد، فعندما طرح الرئيس التونسى السابق، باجى قائد السبسى، قرارات خاصة بالمرأة وبدت صادمة للشارع العربى، بسبب سيطرة الإسلاميين على الشارع بعد ثورات الربيع العربى، لدرجة أنه تم تكفيره وزندقته فى مصر رسمياً بسبب مساواة الرجل بالمرأة فيما يتعلق بالميراث وزواج المسلمة بكتابى، ساعتها ردّ مفتى الجمهورية التونسية «عثمان بطيخ» على الأصوات المصرية: «أهل مكة أدرى بشعابها».وعندما قرر الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إنشاء هيئة للتدقيق فى استخدامات الأحاديث النبوية بهدف (القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأى نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب) صمتت مصر ولم يعترض صوت واحد على الإطاحة بثلاثة أرباع الدين (أى التراث والسنّة).وأيضاً انضم علماء السعودية للأمير «محمد بن سلمان» فى ثورته الإصلاحية.. إلا نحن.. إلا مصر، وكأن المؤسسات الدينية دولة موازية مستقلة عن الدولة المصرية.الآن ونحن نتذكر هذه المبادرات العربية، ما الذى ننتظره من «الحوار الدينى»؟.. هل نتوقع حماية «حق الاجتهاد والمجتهدين» بقوانين واضحة؟.. هل ننتظر أن تصمت أصوات «تكفير المسيحيين» ويعلو «صوت التنوير».. هل نخرج من مستنقع الجهل والخرافة والسحر والرقية الشرعية والولد للفراش.. إلى رؤية إنسانية تستوعب حتى «اللادينى» الذى تعهّد الرئيس «السيسى» بحماية حريته من قبل؟.. هل يحقق «الحوار الوطنى» المصالحة بين المتشددين والمستنيرين؟أنا لا أملك إجابات لتلك التساؤلات، بل أخشى أن يعتبر الكهنة أن الحوار مجرد «ديكور» والتقاط صور تذكارية بصحبة الرئيس، وهم يُضمرون عكس ما يُعلنون حتى لا يقال إنهم «مشايخ السلطان».إن شئنا أن نتصارح فلننهِ «إسلام المصالح».. ولنقل بوضوح إن لدينا حالة «استعلاء فقهى» من المشايخ أنفسهم على تيار الاستنارة وعلى الشعب وعلى النظام.. بزعم أنه «ظل الله على الأرض»!مصر لن تُشفى وتبرأ من الأفكار التكفيرية والرجعية إلا بتطهير «فساد الفكر»، وتطهير المؤسسات والهيئات الدينية من القيادات الإخوانية، بحسب القانون.. فكر الإخوان لم ينتهِ، على العكس نحن نموِّله ونبروزه ونتركه يتغلغل وينتشر لتتكرر الكارثة.حتى الآن الرئيس يعمل وحده، وأول مطلب من «الحوار الدينى» أن يضم تيار الاستنارة للرئيس لتنفيذ رؤيته.. وبهذا يتحقق الهدف الأول باختيار «العقل المناسب» للهدف المنشود. . والحوار مفتوح
سحر الجعارة