• 21 نوفمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

ايها الكبار لن احتفل بعيد الام

أيها السَّادَة ُ الكِبارُ/ في «عيد الأم» أقولُ لكم: لن أحتفلَ به معكم/ فلا تنتظروا أن أجلبَ الهدايا كما بقية أطفال العالم/ فأنا بعيدٌ عن حضن أمى/ أيها الكبارُ/ الحقَّ أقولُ لكم/ إننى لا أعرفُ سوى هاتين العينين/ اللتين تبكيانِ الآن غيَبتى/ بعدما كانتا تُشرقانِ بالفرْحِ/ كلّما ركضتُ نحوهما/ عينا أمى/ وإننى لستُ أعرفُ غير هاتين الكفّين/ اللتين أمسكتا بكفىّ/ وأنا نحو الحياةِ أخطو/ خُطوتى الأولى/ لئلا أسقطَ/ كفّا أبى

الحقَّ أقولُ لكم/ إن لم تعودوا كالأطفال/ لن تعرفوا ماذا أقول/ أنا الطفلُ الصامتُ/ ولا تحسَبوا صَمتى قَبولًا/ ولا فهمًا لما تصنعون في عالمِكم أيها الكبارُ/ بل هو صمتُ الحيارى/ حين يُدهشُ الأطفالُ من تصاريفِ الزمان/ تلك التي تُحوّلُ الحرمانَ دِفئًا/ لحظةَ الميلاد/ وذات ليلٍ حالكٍ/ يُنتزعُ الرجاءُ/ فيستحيلُ الدفءُ صقيعًا جارحًا وحرمانا/ لأن حفنة َمالٍ/ أبرقتْ في عيون البعض

انظروا من كُوَّةِ الزمان/ نحو الأمسِ الذي كانَ/ يومَ قذفتْ بى الحياةُ إليكم/ وحيدًا متروكًا ومنسيًّا/ هذا جسدى النحيلُ/ مُضمَّخًا كان بدمِ المخاض/ مُدثرًا في لُفافاتِ المَشيمة/ مُلقًى على البلاطِ البارد/ في ركنٍ ناءٍ/ عن صحنِ المذبح/ أصرخُ/ عطشًا وبردًا وغُربةً ويُتمًا/ حتى أشفقت لحالى أجراسُ الكنائس/ فتعالى رنينُها بكاءً نازِفًا/ أيقظَ النيامَ/ وعند لحظة الاحتضار/ التقطتنى يدُ راهبٍ/ واختلطت دموعُه بدموعى/ ثم جاء ملاكٌ ببشارةِ قيامتى/ أخبر الملاكُ الراهبَ عن حالِ أمٍّ لم تلد/ وأبٍ لم يذُق طعمَ الوليد/ قال الملاكُ: شِنٌّ وافقَ ططبق

أيها الراهبُ/ اطرقِ البابَ عليهما/ وقل لهما: هذا الطفلُ عطيةُ الرحمنِ لكما/ اِمنحاه الحُبَّ/ وكونا له أبًا وأمًّا/ فكانا لى أُمًّا وأبً

هذه أمى/ قالت لأبى: قُرَّة عينٍ لى ولك/ أرضعتنى من قلبها حليبَ الشغف/ وهذا أبى/ قال لأمى: عسى أن نتّخذه ولدًا/ وصنع من ظهرِه صخرةً عليها أتكئ./ أيها السادةُ الكرامُ أقول لكم/ دون ظلِِّ أمى/ قلبى يجفُّ جدبًا/ ودون ظِلِّ أبى/ ظهرى ينكسر.

كلمتى الأولى/ كانت تردادًا لصوت تلك الباكية/ التي لا أعرفُ أمًّا سواها/ خُطوتى الأولى/ كانت فوق بُساط قلب ذاك الباكى/ الذي لم أر أبًا إلاهُ.

أيها الكبارُ/ الذين تسنّون قوانينَ الميلاد والأنساب والانتساب/ أيها الأجلاءُ الذين تنزعون الأسماءَ/ من أوراقنا/ وتغرسون غيرها/ فأصيرُ يوسفَ أو أحمدَ أو شنودةَ أو رجاءَ/ أو المنسىّ/ فجميعُ الأسماءِ تشابهت/ أمامَ ربِّ العالمين./ أيها الكبارُ الذين تصكّون الأحكامَ/ وتُمهرون مصيرى بإمضائكم/ تمهّلوا وأنصِتوا إلى نحيبِ قلبى الخائف/ الذي بعدُ لا يعرفُ ميزانَ عدالتِكم/ ولا يفهمُ شيئًا/ في حساباتكِم المعقدة/ أمهلونى بضعَ سنينَ/ حتى أنسجَ من خيوط اليُتم/ مناديلَ بيضاءَ/ تحضنُ دموعَ أمّى وأبى/ ثم أمهلونى ساعةً/ حتى تعتادَ عيناى على العتمة التى/ سوف أعيشُ في ظلالها/ حين أتركُ حِضنَ أمى/ إلى حيث لا حِضنَ/ وأغادرُ كتفَ أبى/ إلى حيثُ أرضٍ/ لا ترحِّبُ باليتامى والغرباء./ انتظرونى عند قارعةِ الطريق.


ريثما ألملمُ لُعبى/ وكراساتى/ وقطعَ الصلصالِ الملون/ لألقى بها في النهر/ فلم أعد أرغبُ فيها/ وحين تلتقى عيناى بعيونكم/ لا تشخَصوا طويلا في ضعفى/ بل أوقفوا صريرَ الإنذار وأبواقَ الوعيد/ تلك التي تزأرُ أمام باب البيت/ الذي ما عاد بيتى/ فأنتم تُخيفوننى بصخبِ عالمكم/ وتُفزعوننى بقرعِ مطارقكم/ على طاولاتِ تقرير المصير./ أحتاجُ وحسبُ/ إلى شىءٍ من الصمت/ ريثما أتأهبُ للذهاب معكم/ إلى حيث تريدون/ مكتوبٌ/ أن أعودَ من جديدٍ/ من حيثُ أتيتُ/ إلى حيثُ نذرتنى الحياةُ/ إلى البلاطِ الباردِ/ والعيونِ الخاوية/ والغدِ المجهول.

فاطمة ناعوت

المقال السابق

الازهر يفجر مفاجأة بشأن الطفل شنودة

المقال التالي

السيطرة على حريق بمصنع مراتب العبور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *