من هدايا الله لمصر، وهدايا مصر للعالم، أن يخرجَ من أرضها الطيبة شقيقان عظيمان من «آل عكاشة» يدشنان لصالح الإنسان ورغده صروحًا فكرية وثقافية وطبية.. لا يتوقف عطاؤها على مرّ الزمن، بل تُثمرُ بالجديد.. فمثلما أهدى الشقيقُ الأكبر الدكتور «ثروت عكاشة» لمصرَ حصونًا ثقافية خالدة لا يُتصوّر وجهُ مصر الحضارى دونها، يُشيّد الشقيقُ الأصغرُ البروفيسور «أحمد عكاشة» حصونًا علمية مهمة فى الطب النفسى والأعصاب من شأنها أن تضبط إيقاعَ الإنسان على «الكود» القويم الذى يجعله قادرًا على صنع الحضارة والحفاظ عليها. فلا شىء أصعب من دراسة وتشريح وتشخيص ثم علاج «النفس الإنسانية» بكل تعقيداتها وميولها وتراكمات خبراتها وتجذُّر دوافعها وتشعّب سلوكاتها واختلاف ردود أفعالها
البروفيسور «أحمد عكاشة» أستاذ الطب النفسى، ومستشار الرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعى، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وعضو المجلس التنفيذى لليونسكو، وعضو لجنة التخطيط فى المجلس الأعلى للجامعات، ومؤسس ورئيس تحرير المجلة العالمية للطب النفسى باللغة العربية، ورئيس وعضو تحرير ٢٢ مجلة عالمية ومحلية فى الطب النفسى، ألّف عشرات الكتب بالعربية والإنجليزية ومئات الدراسات والأبحاث العلمية فى مجالات الطب النفسى والعصبى والعلوم السلوكية والاجتماعية تُزيّن المجلات العلمية العالمية، وأشرف على عدد لا يُحصى من رسائل الدكتوراة والماجستير فى الطب والآداب.. والحق أن سرد منجزات هذا العالِم المصرى العالمى يُنفدُ مدادات القلم. ومن بين ما دشن لمصر من حصون علمية: «مركز أحمد عكاشة للطب النفسى» فى مستشفيات جامعة عين شمس، والذى يعمل منذ باكورة تسعينيات القرن الماضى، وهو المركز الوحيد فى العالم العربى الذى يتبع «منظمة الصحة العالمية» فى البحوث والتدريب فى الطب النفسى، ويعالج بالمجان ١٢ ألف مريض سنويًّا على يد كوادر طبية رفيعة المستوى.
ومن بين الصروح العلمية التى يقدمها لنا البروفيسور «أحمد عكاشة»: «جائزة أحمد عكاشة السنوية للطب النفسى»، التى يقدم من خلالها جائزة أدبية ومادية للبراعم الناشئة فى مجال الطب النفسى ممن يقدمون دراسات وأبحاثًا مبتكرة وواعدة تمنح البشرية أملًا جديدًا فى الحياة الصحية المتوازنة. وفى حفل تسليم الجوائز كل عام، يحرص د. عكاشة على أن يُقدّمَ أحدُ أعلام الفكر والثقافة محاضرةً تضفر الطبَّ النفسى بالثقافة المجتمعية، من شأنها أن تفيد العقلَ الجمعى المصرى والعربى. من بين الأعلام الكبار الذين حاضروا فى حفل المسابقة كان الراحل العظيم د. «ثروت عكاشة» الذى حاضر حول «تطهير النفس عن طريق الفنون».. وفى سنوات سابقة قدّم الدكتور «وسيم السيسى» محاضرة بعنوان: «من أرضنا هلَّ الإيمان والدين منذ الفراعنة وإلى يوم الدين».. وأما مؤتمر هذا العام، فقدّم فيه الدكتور «حسام بدراوى» محاضرة شيقة عنوانها: «مستقبلُ مصرَ كما أراها»، طرح خلالها رؤى شديدة الإيجابية والإلهام حول مشروعية «الأحلام» التى يراها البعضُ مستحيلاتٍ، ويراها المبدعون والإصلاحيون يسيرة المنال. وهنا أتذكرُ «برنارد شو» حين قال:
من دواعى الفرح أن حاصدى «جائزة عكاشة للطب النفسى» هذا العام طبيبتان جميلتان. وتحيا تاء التأنيث.. الأولى: د. «جيلان أحمد» مدرس الطب النفسى جامعة أسيوط، والأخرى د. «منار نوارة» مدرس الطب النفسى جامعة عين شمس.
ويحملُ مشعلَ د. «أحمد عكاشة» العلمى نجلُه أ. د. «طارق عكاشة»، أستاذ الطب النفسى ورئيس تحرير مجلة «الشرق الأوسط للطب النفسى المعاصر»، التى أسسها د.«عكاشة» عام ١٩٩٣ بتمويل شخصى، حتى تحولت منذ أعوام إلى مجلة دولية فى خانة Q3 من بين أفضل مجلات العالم، ويدعمها اليوم «بنك المعرفة» التابع لوزارة البحث العلمى.. وعُقبى أن تغدو مجلتنا المصرية من أهم مجلات العالم العلمية فى الطب النفسى، بإذن الله.
كرّمنى د. «أحمد عكاشة» مراتٍ عديدة فى حياتى.. مرّة حين وافق على أن يكون ضيف الشرف فى صالونى الشهرى الثقافى فى يوليو ٢٠١٩، وكان شذى الختام لصالونى الذى توقف مع كوفيد-١٩.. ومرّةً حين كتب تصديرًا عظيمًا لكتابى «عُمر.. من الشرنقة إلى الطيران»، الذى أحكى فيه تجربتى كأمٍّ مع ابنى المتوحد «عمر»، وكيف خرج من شرنقة العزلة نحو رحابة الحياة. وأما آخر ما قدّم لى من هدايا فكان هذه الدرع العظيمة التى قدمها لى «مركز أ.د. أحمد عكاشة للطب النفسى» فى «المؤتمر الدولى الثامن عشر للطب النفسى»، و«المؤتمر الدولى السادس لطب نفسى الأطفال والمراهقين»، بعد ندوة رفيعة المستوى ضمن فعاليات مؤتمر الطب النفسى جامعة عين شمس عُقدت حول كتابى وتجربتى كأمٍّ؛ حاورتنى فيها مجموعة رفيعة من أستاذات الطب النفسى هن: أ.د. «مها السيد»، أ.د. «هبة الشهاوى»، أ. د. «مروة المسيرى»، أ.د. «دينا الجابرى».. شكرًا
د. فاطمة ناعوت