فاطمة ناعوت تكتب عن ملاك هربان من الجنة
اليوم ٢٦ فبراير يوافق عيد الميلاد الثاني لصغيري المتوحد “عمر” وهو خارج الشرنقة التي سجن نفسه فيها سنواتٍ طوالا وعقدين، كان قلبي خلالها ينفطرُ وجعًا كل دقيقة من كل ساعة من كل يوم. إلى أن أشرقت شمسٌ صيفيةٌ حانيةٌ ليوم طيب؛ استجاب الُله فيها لدعائي ومَنَّ عليّ بفيضٍ وافرٍ من رحماته وغيثٍ سخيّ من فضله. يومٌ جميل من صيف ٢٠٢٢ حين سمعتُ طرقَ صغيري “عمر” على باب الشرنقة من الداخل يستأذن أن يغادرَ عالمَه النقيَّ الجميل ليخرجَ إلينا في عالمنا الطلسمي العسر!! ومنذ ذلك النهار المشرق وأنا أخرج مع صغيري كل يوم إلى العالم الواسع ليستأنف ما فاته من الحياة، وهو محبوس في كهفه المظلم.
اليومَ في المساء سوف نحضرُ تورتة عيد ميلاده كالمعتاد. ولستُ أعرفُ إن كان سيرفضُها مثل كل عام ويدخل غرفتَه غاضبًا إذا ما بدأنا نغني أغنية الميلاد، أم عساه، كما يرسمُ لي خيالي ورجائي، يبتسمُ لنا ويجلسُ إلى البيانو لكي يعزفَ نغماتِ أغنية عيد الميلاد Happy Birthday to you: (صول صول لا صول دو سي- صول صول لا صول ري دو- صول صول مي دو سي لا- فا فا دو ري دووو) سامحًا لنا، للمرة الأولى في حياته، أن نحتفلَ بعيد ميلاده، ونطفئَ معه شمعاتِ كعكته! آمين.
“عمر”، شأنَه شأن المتوحدين، ينفرُ من الضجيج والصخب والزحام كما ينفرون، ولا يحبُّ أن يكون تحت بؤرة الضوء مثلما لا يحبون، ومن ثمّ يرفض كما يرفضون الاحتفالَ بأعياد ميلادهم! لكنَّني، شأني شأنَ كل الأمهات، كلَّ عام في مثل هذا اليوم أضيءُ في قلبي شمعةً جديدة من أجل “عمر”، وأحتفلُ بعيد ميلاده، على طريقتي الخاصة. في عيد ميلاده يرسم الفنانون من أصدقائي وقرائي بورتريهاتٍ جميلة لـ”عمر”، وأكتبُ أنا له قصيدة جديدة، أقرأها له فيكتفي بالابتسام ثم يقول: “شكرًا! بحبك يا ماما”.
هذا العام أهداني صديقي الشاعر الجميل “أشرف ضمر” قصيدة جميلة كتبها بقلبه النظيف يحكي فيها حكاية صغيري “عمر” مع “طيف التوحد” وحكايتي معه خلال رحلة كسر الشرنقة الصعبة لاستنقاذه من “كهف العزلة” المظلم. عنوان القصيدة “ملاك هربان من الجنة”، أهديها بدوري لكلِّ أمٍّ أهداها اللهُ طفلاً جميلا متوحدًا، ينظرُ إلى العالم من منظوره الخاصّ، شديد الأناقة، شديد النقاء.
***
“ملاك هربان من الجنة”
عمر إسمه/ رقيق وجميل/ بريء ونبيل/ نزل عالأرض يتمشّى/ شافوه الناس/ وبصّوا لطيبته باستغراب/ فخاف جدًّا/ دخل كهفه وحطّ الصخرة عند الباب.
بكت أمُّه / وحاولت تكسر الصخرة/ تزحزحها بإيدها وروحها وكيانها/ تدور الأم في مكانها مافيش فايدة/ ملاكها حطّ مِخلاته على كتفه/ عشان يهرب من الأغراب/ من الأحباب.
ملاكها لمّ أجنحته/ وحط الصخرة عند الباب/ وعاش بإرادته جوّه الكهف/ يتسلّي برسم الدنيا بالألوان/ وخلّص أمّه م الفوبيا/ فراحت تقرا بعيونه/ عن الدنيا اللي كان فيها ملاكها بالجمال محبوس.
ويوم ورا يوم/ تشوف معني ماتعرفهوش/ تشوف فكرة تخليها تعيد نظرتها للعالم/ فتتأمل جمال الدنيا بالألوان/ جمال صافي ورقيق جدًّا.
عيون براءتها م الجنة/ وروح طايرة بألف جناح/ جناح البهجة والطيبة/ في زمان شرير/
جناح الحب والأحلام/ قصاد الكره والكوابيس/ جناح الصدق يتحدّي فصول الكدب والتدليس/ جناح الفرحة بيرفرف على الأحزان/ جناح السِّلم وقت الحرب/ وقت الضرب في المليان.
تقول الأم في كتابها/ عمر فنان/ عمر عايش في عالم حر بالألوان/ عمر إنسان.
وبعد سنين من التوهة/ من الغربة/ من العزلة/ من النسيان/ ملاكنا يطير بأجنحته ويتحرر من الصخرة/ يقابل كل خلق الله فمايخافشي/ ويهدي للجميع وردة/ ويوهب للجميع ضحكة ترد الروح.
عمر فعلا كتاب مفتوح/ كتاب كاشف لكل قناع على وشوشنا/ كتاب قادر يزلزلنا علي عروشنا/ فمرحب بيك في عالمنا/ لعلك تمحي من وشه بألوانك/ سواد لونه/ لعل جناحك الفضي/ ياخدنا لدنيا فيها الكل يشبهلك/ جميل جدا/ بريء جدا/ بسيط زيك/ يكون إنسان
Omar Nabil-shehata
Everyone