زيارة مسعد بولس للقاهرة: رسالة أمريكية ناعمة أم تمهيد لتحولات كبرى؟
كتبت / يوستينا ألفي
في زيارة بدت مفاجئة للبعض لكنها مدروسة بكل المقاييس، وصل مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، إلى القاهرة يوم الأحد 18 مايو 2025، حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
زيارة بلا تهويل أو تهوين
هذه الزيارة لا يمكن قراءتها في إطار بروتوكولي بحت، كما لا ينبغي تحميلها ما لا تحتمل من تفسيرات مبالغ فيها. بل الأجدى فهمها ضمن سياق سياسي ودبلوماسي أوسع، يُعبّر عن مقاربة جديدة من واشنطن تجاه القاهرة، خاصة في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض بنهج مختلف عما سبق.
ترامب يعرف أن مصر لا تُهمَّش
منذ توليه الرئاسة مجدداً، لم يُخفِ ترامب انتقاداته الحادة للإدارات الأمريكية السابقة التي حاولت تهميش الدور المصري في ملفات الشرق الأوسط. وهو يدرك جيداً ــ حتى إن لم يُصرّح بذلك صراحة ــ أن كل محاولات تجاوز القاهرة فشلت، وأن صيانة المصالح الأمريكية في المنطقة تمرّ بالضرورة عبر التفاهم مع مصر، لا الالتفاف عليها.
إشارات دبلوماسية محسوبة
إرسال مبعوث رفيع بمكانة مسعد بولس، الذي تربطه بالرئيس الأمريكي علاقة عائلية مباشرة بصفته والد زوج تيفاني ترامب، ليس مجرد صدفة أو مجاملة. فالدبلوماسية تعرف أن للأسماء دلالات. وواشنطن، من خلال هذه الزيارة، وجّهت رسالة مفادها: “نحن هنا للتفاهم لا للصدام”.
بولس، اللبناني الأصل، والمتحدث بالعربية، يجسد تلك “الروح الشرق أوسطية” التي قد تساعد في فكفكة بعض تعقيدات المشهد الإقليمي. وهو ليس موظفاً عادياً في الإدارة، بل مستشار ذو حظوة داخل دائرة ترامب، ما يُضفي على زيارته وزناً خاصاً.
زيارة بلا أجندة صدامية
في زمن يُرسل فيه البيت الأبيض شخصيات من طراز “ستيف ويتكوف” إلى مناطق التوتر، فإن إرسال صهر الرئيس إلى القاهرة يعكس تفاهماً وليس أزمة. فالقاهرة ليست موسكو، ولا طهران، ولا غزة. لا حرائق مشتعلة تستدعي “رجال الإطفاء”، بل تفاهمات تحتاج إلى جسور من الثقة والاحترام المتبادل.
من العشيرة إلى السياسة
عائلة ترامب ليست بعيدة عن صنع القرار، بل هي جزء منه. من إيفانكا إلى جارد كوشنر، ومن تشارلز كوشنر إلى لارا ترامب، تنسحب الأسماء من مائدة العائلة إلى مراكز النفوذ السياسي. ومسعد بولس لا يخرج عن هذه القاعدة، فهو يمثل “العشيرة السياسية” التي يعتمد عليها ترامب في إدارة ملفاته الدولية.
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس تمر به العلاقات المصرية-الأمريكية، خاصة في ظل تباين وجهات النظر حول بعض الملفات الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. إلا أن ما يجمع بين القاهرة وواشنطن، وتحديداً بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، يفوق بكثير ما يفرّق.
زيارة بولس هي “طرق ناعم للأبواب”، ورسالة مفادها أن واشنطن، في عهد ترامب، لا تسعى إلى فرض رؤى، بل إلى إعادة رسم خطوط التفاهم… من جديد، ولكن بأسلوب مختلف.