الكوتة البرلمانية تمثيل عادل وخطوة نحو ديمقراطية شاملة
تسعى الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو إلى ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، من خلال ضمان مشاركة كافة فئات المجتمع في الحياة السياسية. وجاءت الكوتة البرلمانية كأداة دستورية تهدف إلى تمكين الفئات التي طالما عانت من التهميش، وعلى رأسها المرأة، الشباب، الأقباط، ذوي الإعاقة، والمصريون بالخارج.
تُعد الكوتة اليوم واحدة من أبرز المكاسب السياسية التي رسّخها دستور 2014، والتي ساهمت في تشكيل برلمان أكثر تنوعًا وقدرة على التعبير عن التركيبة الحقيقية للمجتمع المصري.
من التهميش إلى المشاركة: لماذا كانت الكوتة ضرورية؟
لفترات طويلة، سيطر النظام الفردي على الانتخابات البرلمانية في مصر، مما أدى إلى احتكار عدد من العائلات والمصالح لمقاعد البرلمان، في ظل غياب واضح لشرائح مجتمعية واسعة. هذا الواقع خلق حاجة ملحّة لتدخل تشريعي ودستوري يُعيد التوازن لمعادلة التمثيل السياسي.
جاءت الكوتة كحل عملي يضمن تمثيلًا إلزاميًا لفئات بعينها، وهو ما شكل نقلة نوعية في بنية البرلمان وطبيعة الخطاب السياسي تحت القبة.
دور الشباب والمرأة في الدفع نحو التغيير
خلال فترة إعداد دستور 2014، نظم عدد من الشباب الأقباط مؤتمرًا موسعًا تحت عنوان “الكوتة البرلمانية”، وشارك فيه عدد من الشخصيات العامة، من بينهم المستشارة الراحلة تهاني الجبالي. هذا المؤتمر ناقش بجدية أزمة التمثيل المجتمعي، وقدم مقترحات واضحة للجنة الخمسين، التي كانت مسؤولة عن صياغة الدستور.
أسفرت تلك الجهود عن إدراج نصوص صريحة تضمن تمثيل المرأة (المادة 11)، وتحظر التمييز (المادة 53)، وتمنح تمثيلًا مناسبًا للشباب والأقباط وذوي الإعاقة والمصريين بالخارج في مجلس النواب (المادتان 243 و244).
القوائم المغلقة: الآلية الدستورية لتطبيق الكوتة
لتفعيل نصوص الدستور، تم اعتماد نظام القوائم المغلقة المطلقة في عدد من الدوائر الانتخابية، بحيث تلتزم كل قائمة بتضمين فئات معينة ضمن تركيبتها. هذا النظام لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل أداة فعالة لتحقيق العدالة التمثيلية.
ومن أبرز مميزاته:
ضمان مشاركة فعلية لفئات مستبعدة سابقًا.
تقليل تأثير رأس المال السياسي والنفوذ العائلي.
تعزيز الحياة الحزبية وتكافؤ الفرص.
الكوتة: من التمثيل إلى التأثير
لم تعد الكوتة مجرد وسيلة لضمان وجود رمزي تحت قبة البرلمان، بل أصبحت مدخلًا حقيقيًا لمشاركة فاعلة في التشريع والرقابة. فقد استطاعت نائبات، وشباب، وممثلون عن ذوي الإعاقة، أن يقدموا مشروعات قوانين، ويشاركوا في لجان مؤثرة، ويطرحوا قضايا كانت مهمشة لعقود.
نجاح التجربة المصرية في هذا الملف لا يقاس فقط بالأرقام، بل بمدى تفعيل دور هؤلاء النواب في خدمة قضاياهم ودوائرهم، وبقدرتهم على تقديم نموذج سياسي جديد يمثل الشارع المصري بمختلف أطيافه.
خاتما
تُعد الكوتة البرلمانية إنجازًا دستوريًا ومجتمعيًا يعكس إرادة سياسية حقيقية في بناء ديمقراطية تشاركية. وبينما تتطور التجربة البرلمانية في مصر، تبقى الحاجة مستمرة لتقييم الأداء، وتطوير الأدوات، حتى يصبح البرلمان بالفعل مرآة صادقة للمجتمع المصري بكل تنوعه.