من أبو غزالة ومبارك إلى رمسيس.. عملية إحباط تجسس أمريكي كادت تشل اتصالات مصر
كتب / ماجد مفرح
في واقعة ظلت طي الكتمان لأكثر من 37 عامًا، تكشف اليوم لأول مرة تفاصيل عملية عسكرية استخبارية مصرية سرية أفشلت مشروعًا أمريكيًا خطيرًا للتجسس على الاتصالات الأرضية وشبكة القوات المسلحة المصرية، في واحدة من أعقد عمليات الحرب الإلكترونية التي شهدها التاريخ العسكري المصري.
نظام تجسس تحت غطاء “المعونة”
تعود القصة إلى عام 1987، حين عرضت الولايات المتحدة على مصر نظامًا متطورًا لتحديث السنترالات الأرضية، ضمن برنامج المعونة الأمريكية، وقد تم اختيار سنترال الجيزة ليكون أول موقع للتشغيل التجريبي للنظام.
لكن ثقة المشير عبد الحليم أبو غزالة، وزير الدفاع آنذاك، لم تكن مطلقة في النوايا الأمريكية، فتم تكليف سلاح الإشارة بفحص النظام قبل تفعيله، وأسفرت التحقيقات الفنية عن اكتشاف مذهل أن النظام كان مصممًا لتخزين المكالمات وإرسالها لاحقًا عبر هوائيات السنترال في شكل نبضات تستغرق أقل من 20 ثانية، بما يعادل نظام تجسس متكامل يمكنه أيضًا إيقاف الاتصالات عن بُعد.
وعقب عرض النتائج على المشير أبو غزالة، تم إبلاغ الرئيس محمد حسني مبارك، الذي قرر عزل النظام نهائيًا من سنترال الجيزة ووقف المشروع بالكامل، مع وضع خطة دقيقة لتدميره إلكترونيًا.
قرار المواجهة وتدمير إلكتروني للنظام
عُقد اجتماع سري ضم قيادات من سلاح الإشارة، والحرب الإلكترونية، وإحدى الجهات السيادية التي لم يُكشف عنها، وتقرر تكليف مجموعة مختارة من ضباط الاستطلاع والإعاقة اللاسلكية، تحت إشراف العقيد عبد الحكيم، لتنفيذ المهمة من موقع سري بمنطقة المقطم.
وواجه الفريق عدة تحديات تقنية، أبرزها أن محطات الإعاقة لا يمكنها العمل سوى لبضع دقائق في كل مرة، في حين أن توقيتات إرسال الإشارة الأمريكية كانت قصيرة جدًا، وتم إنشاء منظومة بث تجريبي مشابهة من صحراء حلوان لتدريب الفريق، إلى أن تم التوصل إلى صيغة ناجحة لتدمير الجهاز فعليًا.
مصر لا تُخترق.. رجال الظل على العهد دائمًا
بعد 42 يومًا من الاستعدادات، تلقى الفريق الضوء الأخضر لتنفيذ المهمة. وبعون من الله، تم تتبع الإشارة الأمريكية وتدمير وحدة الإرسال، لتسجل المتابعة من داخل السنترال احتراق الأجهزة بالكامل وتفحمها، متسببة في فشل المشروع التجسسي نهائيًا.
اختتمت العملية بتكريم المشاركين ومنحهم مكافآت كبيرة من المشير أبو غزالة، وسط تعتيم إعلامي صارم استمر لعقود. واليوم، يكشف أحد أبطال المهمة تفاصيلها لأول مرة، ليؤكد أن مصر ظلت دومًا محصنة برجالها، الذين يعملون في الظل، ويضحون من أجل أمنها دون أن يُكشف عن بطولاتهم.