• 7 نوفمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

عبد الحليم حافظ سبع وأربعون عاما يزداد حضورا 

عبد الحليم حافظ سبع وأربعون عاما يزداد حضورا 

كتبت / زيزت فؤاد

هو عبد الحليم علي شبانه المولود أول الصيف من عام 1929 شكلت مسيرته الفنية حكاية خالدة و (حتوتة) مصرية أصيلة تروى لأجيال لاحقة ,عبد الحليم حافظ ابن قرية الحلوات في محافظة الشرقية توفيت والدته بعد مولده مباشرة و توفي والده قبل أن يكمل عامه الأول ,هذا اليتم المبكر صبغ شخصية عبد الحليم بالحزن و غلف صوته بالشجن ,لتأتي أغانيه بإحساس فريد و خامة صوتية لن تتكرر
عبد الحليم حافظ وجه مصر النقي بسمرته و طيبته و بتعبه و مرضه و بكبرياءه و اصراره على النجاح رغم كل الظروف ,فطريق العندليب الأسمر لم يكن منذ البداية مفروشا بالورود بل كان مليئا بالشوك ,في زمن كان للطرب و الموسيقى شروط تعجيزية ليصل الفنان فيها إلى آذان المستمعين ,و لكن الشغف و الإصرار و الحب و العزيمة التي امتلكها عبدالحليم كانت تنبئ بولادة اسطورة .

دخل المعهد العربي للموسيقى و اختار العزف على آلة الأبوا النفخية ذات الصوت الشجي وحين تقدم للإذاعة المصرية كمطرب كان من بين المتقدمين معه الملحن كمال الطويل و الرائع بليغ حمدي الذي قال لكمال : دع عبد الحليم يدخل إلى المقابلة و لنكن نحن ملحنين له في المستقبل و هذا ما حصل .أعتمد عبد الحليم حافظ فنانا في الإذاعة المصرية مطلع الخمسينيات قبل سنوات قليلة من اكتشاف اصابته بالبلهاريسيا ,المرض الذي كان ضريبة طفولة الفقر و سباحته في الترعة في ريف مصر الفقير

عبد الحليم في الفن أقرب للمتنبي في الشعر فالمتنبي رحل شابا لكنه ملأ الدنيا و شغل الناس كذلك العندليب الأسمر الذي صنع لنفسه هالة من الحب و حفر اسمه في ذاكرة الناس
عبد الحليم هو مطرب ثورة يوليو الأول غنى لعبد الناصر و ضباطه الأحرار عشرات الأغاني التي ما تزال تتردد حتى أيامنا هذه هومن قال : خلي السلاح صاحي و صرخ إحنا الشعب و غنى للسويس أجمل اغنية وهي النجمة مالت ع القمر
عبد الحليم كان الاكثر رغبة في التجديد و البحث عن مواضيع أغنيات لم تطرق من قبل و مع انه كان يعاني من عدم تقبل الجمهور المصري للاغنية في البداية إلا أنه كان على ثقة أن أغنيته ستعيش لأنها صنعت بسحر و هنا نذكر على سبيل المثال أغنية صافيني مرة التي سجلها عبد الحليم للإذاعة المصرية لكنها لم تلق نجاحا فحملها إلى إذاعة دمشق و في سوريا كان نجاحها باهرا حد أن الإذاعة المصرية أعادت إذاعتها و التنويه بجمالها

عبد الحليم كان صديق الجميع و نقطة التقاء الفنانين و الملحنين و أذكى من عمل على إيصال أغانيه بأعلى جودة صوتية بسبب شراكته مع الموسيقار محمد عبد الوهاب بشركة صوت الفن التي حفظت أرشيفهما الرائع من الضياع

عبد الحليم هو الصوت الغنائي الأساسي لبليغ حمدي و الذي كان حليم بسميه أمل مصر في الموسيقى ,فقد أضاف هذا الثنائي برفقة الشاعر محمد حمزة إلى المكتبة العربية ألحانا لا تنتسى و روائع قل نظيرها و لتعرف كم كان بليغ يحب عبد الحليم ,كان بليغ بعد زواجه بوردة الجزائرية في بيروت يعلمها لحن أي دمعة حزن لا لا .صادف أن سمع عبد الحليم اللحن و الكلام و أعجبه ,قام بالاشارة لبليغ أنه يحتاجه بشكل ضروري سافرا إلى القاهرة و عملا على الأغنية لتصبح لعبد الحليم ,جن جنون وردة التي قالت لبليغ :أتفضل حليم على زوجتك؟… فأجابها عندي ضعف أمام صوت عبد الحليم كما أنني شعرت أن الأغنية تليق بصوته أكثر

عبد الحليم قدم للسينما أفلاما كانت تلون المواسم و طعمها بأغان عاشت و ساهمت بخلود الأفلام مستندا بسيناريوهات الكثير من أفلامه على نصوص روائيين عظام كإحسان عبد القدوس و غيره ,تجربة عبد الحليم في السينما كانت ملفتة فهو من أكثر المطربين الذين رسخت أفلامهم في ذاكرة الناس و أغنية وحياة قلبي و أفراحه التي ارتبطت بالنجاح في الثانوية والتي غناها في فيلم الخطايا تشهد كذلك آخر أفلامه أبي فوق الشجرة الذي حظي بأطول فترة عرض في السينما بتاريخ الأفلام العربية
عبد الحليم قبل المرض مطلع الخمسينات كان ينضح بالتفاؤل و الشباب لكن مرضه غلفه بالحزن مع أنه لم يفقد الأمل أو الرغبة في الحياة و المدهش في الرجل أنه كان يعطي من يعمل معه قيمة و بعدا آخر ,فعبد الرحمن الأبنودي أعطى عشرات الأغاني لمحمد رشدي و غيره لكنه أصبح شاعر صف أول حين غنى له عبد الحليم وأنا كل ماقول التوبة ,كثر أيضا غنوا لنزار قباني لكن تبقى الأغنيتان الأروع ما شدا بهما العندليب من ألحان الموجي العظيم و أعني قارئة الفنجان و رسالة من تحت الماء
محبة الجميع لعبد الحليم هي التي جعلت الموسيقيين يعطونه أجمل مالديهم فحتى الأخوين رحباني أعطياه واحدة من أجمل أغانيه ألا وهي ضي القناديل ,كذلك الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي أعطاه ياخلي القلب و غيرها من الروائع وصولا لمشروع لم يكتمل هو رائعة مرسي جميل عزيز من غير ليه ,كان محمد عبد الوهاب معجبا بحركة يد عبد الحليم اليمنى على المسرح أثناء أداء الأغاني فكان هو المايسترو و المطرب معا ,عبد الحليم كان أيقونة من أيقونات القرن الماضي شاء القدر أن يخطفه في منتصف العمر ليبقى بصورة الشاب الأسمراني الجميل ,هو فنان العاشقين العابر للأجيال هو من بقيت حبيبته لغزا يحير الوسط الفني .هو من غنى لسان حاله في موعود و قارئة الفنجان و من تغزل بالحلوة و رقصت الصبايا على صوته في جانا الهوى و زي الهوى ,هو من كان يعتبر الفرقة الماسية و أعضاءها إخوته و هو من عرف الجمهور عليهم بقول أسماءهم في كل حفلة بدء بكمان الرائع أحمد فؤاد حسن مرورا بناي أحمد الحفناوي وصولا لساكسفون سمير سرور و انتهاء بغيتار الرائع عمر خورشيد
لم يوقف المرض عبد الحليم و لم ينجح في إسكات حنجرة العندليب التي بقيت تصدح حتى آخر زفرة حياة في إحدى مشافي لندن ليلة الثلاثين من آذار-مارس لعام 1977 .يومها فجع العالم العربي بالخبر في صباح الأول من نيسان و رفض الناس التصديق و اعتبروا الأمر محض كذبة ابريل ولكن العندليب رحل تاركا الرفاق يتساءلون عن حبيبته من تكون ؟ تلك المرأة التي ليس لها عنوان ,برحيل عبد الحليم انتهى الزمن الجميل زمن الفن للفن و دخلنا عصر صناعة النجوم و فناني الشركات و الإعلانات ,المطرب الوحيد الذي تسببت وفاته بحالات انتحار ,المنافس حتى اللحظة في مبيعات الاسطوانات و الاستماع لأهم النجوم الحاليين و سفير العشاق ولسان حالهم في كل الأزمنة
لتعشق عبد الحليم استمع إلى فوق الشوك و زي الهوى ,لتفرح مع عبد الحليم استمع إلى التوبة و سواح ,لتأخذك الذكريات بعيدا استمع إلى أعز الناس ولتبتسم و تنتشي استمع إلى بحلم بيك
من أجمل حفلات عبد الحليم حفلته في معرض دمشق الدولي منتصف السبعينيات و التي أعاد فيها توزيع أغنيته في يوم من الأيام
عبد الحليم كان كذلك الطائر الاسطوري الذي يغرس شوكة الورد في قلبه فيصبح صوته أكثر عذوبة يغني و يغني حتى نزيفه الأخير ,بعد اثنين و أربعين عاما ما يزال عبد الحليم حاضرا يسخر من الموت تعبره أزمنة و أجيال ويبقى هو بكامل أناقته ورقيه وطيبته و ابتسامته يؤكد سنة بعد سنة و دهرا بعد دهر أن هناك مطربين رائعين كثر و لكن هناك عبد الحليم حافظ واحد فقط !!!!

هامش:لتعرف درجة احساس عبد الحليم استمع اليه في اغنية زي الهوا يقول:حسيت إن هوانا ح يعيش مليون سنة
او في موعود حين قال:شوف بقينا فين يا قلبي و هي راحت فين
او في قارئة الفنجان حين يختمها ب وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان
و امثلة غيرها عن احساس العندليب الأسمر ،عبد الحليم الرائع

المقال السابق

هل تدخل اوراسكوم للانشاءات مزاد البيع ؟

المقال التالي

زواج التوأم الملتصق … راسان في جسد واحد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *