البنوك المصرية تعيش ارباحا تاريخية
البنوك الخاصة في مصر تعيش سنة تاريخية بسبب الأرباح القياسية التي تحققت في 2024 .. طبعا هذه الأرباح الغير مسبوقة في عام 2024، مدفوعة بنمو كبير في إيرادات الفائدة والإيرادات التشغيلية .. وتصدر البنك التجاري الدولي القطاع بصافي أرباح بلغ 55.427 مليار جنيه بحلول ديسمبر 2024، بارتفاع كبير من 28.768 مليار جنيه في عام 2023 – بزيادة قدرها 26.6 مليار جنيه، مما يعكس نموًا بنسبة 92.6٪ .. وارتفعت الأرباح قبل الضرائب إلى 77.4 مليار جنيه، مقابل 40.5 مليار جنيه، مما يمثل زيادة بنسبة 91٪ ..
هذه القفزات الكبيرة في الأرباح عائد إلى الاستثمار في اذون الخزانة الحكومية ذات العائد المرتفع والمضمون، وليس الى نمو عمليات القطاع الخاص .. ومقارنة أرباح البنوك التجارية التي تحققها من سندات الخزانة بأرباح شركات الاستثمار المباشر، التي تعاني للخروج من أي عمل تجاري، ولا تجد سبيل سوى البيع لمستثمر خاص أو إطلاق طرح عام أولي .. حيث تستثمر أكثر من 30% من أصول القطاع المصرفي المصري في أذون وسندات حكومية .. وبلغت نسبة الائتمان المحلي للقطاع الخاص من قبل البنوك أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، في حين يقدر متوسط المستوى في البلدان المتوسطة الدخل بنحو 129%، وفقًا للبنك الدولي.
في الواقع لا زالت البورصة المصرية ضعيفة .. ولا يهتم المستثمرون من القطاع الخاص بالأسهم الخاصة في مصر بسبب ضبابية الوضع الاقتصادي، وضعف حجم التداول .. حيث بلغت القيمة السوقية للشركات المدرجة في البورصة المصرية ما يقرب من 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2022، في حين بلغ متوسط المستوى للدول ذات الدخل المتوسط حوالي 66٪ وفقًا للبنك الدولي .. ولا ننسي انه كان هناك تأكيدا من الحكومة منذ عام 2023، عن نيتها بيع حصص في عشرات الشركات المملوكة للحكومة للقطاع الخاص كجزء من برنامج خصخصة أكبر .. وطبعا لم يتحقق سوى القليل من هذه الوعود حتى الآن .. واعتقد ان التركيبة الحالية التي تدير بعض هذه الشركات تقف عائقا أمام تنفيذ عمليات الطرح، رغم أهميتها الكبيرة داخلياً وخارجيا ..
البعض يبرر تأخر الحكومة في برنامج الخصخصة لهذه الشركات بسبب رغبتها في الحصول على أعلى سعر لهذه الاكتتابات العامة الأولية .. ورغم ان هذا لم يحدث في كثير من مشروعات الخصخصة السابقة والتي كانت متسرعة بإعتراف صندوق النقد الدولي نفسه ومع ذلك ينبغي أن تأخذ الحكومة خطوات اسرع إذا ارادت أن تسعى إلى تنشيط سوق الأسهم وخلق السيولة فيها، ومن ثم يتعين عليها إطلاق أكبر عدد ممكن من الاكتتابات العامة الأولية في الفترة المقبلة ..
فالاعتقاد السائد حالياً أن صناعة الأسهم الخاصة في مصر لا تزال في مرحلة الطفولة .. لان من بين 147 صندوق استثمار مرخص في مصر، تمتلك ستة صناديق أسهم خاصة فقط ما يعادل 1.2٪ من صافي أصول جميع الصناديق، وفقًا للبنك المركزي المصري .. وهذا يدل على ان وضع سوق الأسهم الخاصة في مصر محزن للغاية .. ولك ان تتخيل انه على مدار العقد الماضي، كان حجم الاستثمار الخاص ما يقرب من 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، وهو أقل من خمس المستوى المتوسط في البلدان المتوسطة الدخل الأخرى ..
الواقع الحالي ان كثير من هذه الشركات الحكومية لديها الكثير من الأصول، لكن هذه الأصول محاصرة في أذون الخزانة والديون الحكومية .. وهيئة البريد المصري مثال واضح على ذلك، ففي عام 2023، بلغت أصول البريد المصري المملوكة للدولة 323 مليار جنيه، وهو ما يمثل ما يقرب من 27% من إجمالي أصول القطاع المالي غير المصرفي .. وفي الوقت نفسه، شكل قطاع التأمين الذي تهيمن عليه الدولة 20% أخرى، بإجمالي أصول 242 مليار جنيه، وفقًا لأحدث تقرير للاستقرار المالي صادر عن البنك المركزي المصري .. واذا كانت مؤسسات حكومية بهذا الحجم الضخم تتجنب المخاطر، مفضلة الاستثمار في الأوراق المالية الحكومية الآمنة ..
ولذلك فإن صناعة الأسهم الخاصة لن تزدهر ما لم تخصص هذه الكيانات، التي تمتلك مليارات الجنيهات المصرية، بعض أصولها لصناديق الأسهم الخاصة او يتم طرحها هي نفسها لتنشيط حجم البورصة المصرية .. لكن كيف يحدث ذلك، وهناك الربح المضمون مع حوافز مالية كبيرة للإدارة تجنيها دون تعب .. وكلها عوامل تقف عائقا أمام تحقيق اي ارتفاع في حجم الاستثمار الخاص والبورصة تحديدا ..
ياسر حسان