لماذا نُصر على الأبدية في عالم مؤقت؟
كتبت – يوستينا ألفي
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، ونركض جميعًا خلف أحلام وأشياء نعتقد أنها ستدوم، تغيب عنا حقيقة بسيطة وعميقة: الحياة مؤقتة. تلك القناعة التي يعرفها الجميع، لكن قليلون منّا من يتعاملون معها بصدق ووعي. فما الذي يدفع الإنسان للبحث عن الأبدية وسط عالم يتغير كل لحظة؟
الارتباط المفرط بالأشياء، سواء كانت علاقات، ممتلكات، مناصب أو حتى لحظات الفرح، يكشف عن قلق داخلي عميق، وكأننا نخشى الزوال لدرجة أننا نُجمّد مشاعرنا وأحلامنا في محاولات مستميتة لإبقاء الأمور كما هي. لكن المفارقة أن سحر الحياة الحقيقي يكمن في زمنيتها.
منذ أن وُلدنا ونحن نمر بمراحل مؤقتة: الطفولة، الشباب، العمل، الحب، الفقد، وحتى النجاح، كلها مراحل تأتي وتذهب. ومع ذلك، نصارع التغيير ونرفض الفقد، كأننا في معركة خاسرة ضد طبيعة الحياة ذاتها. فهل نسينا أن كل لحظة نعيشها هي هبة، لا وعدًا بالاستمرار؟
في بحثنا عن “الأبدية”، غالبًا ما نفقد متعة اللحظة الراهنة. نؤجل السعادة، نعلّق الآمال على غدٍ لا نملكه، ونتعامل مع الحياة كأنها صفقة طويلة الأمد وليست تجربة مليئة بالتفاصيل العابرة. هذه الفكرة لا تدعونا للتشاؤم، بل على العكس، تدعونا للعيش بكامل وعينا، للاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة، والتصالح مع التغيير، وتقدير النهايات بقدر ما نحتفي بالبدايات.
الوعي بأن الحياة مؤقتة لا يعني الاستسلام، بل يعني أن نعيش بصدق، أن نحب بعمق، أن نُسامح بسرعة، وأن نُقلّل من التعلّق، لأنه في النهاية، لا شيء يدوم، ولا أحد يبقى، سوى أثر ما عشناه بامتنان.
حين نُدرك أن كل شيء مؤقت، نتعلم أن نُخفف من تشبثنا، ونُخفف عن أرواحنا عبء الأبدية… فنعيش أخيرًا، كما ينبغي.