• 22 ديسمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

الأسرة والمال .. بقلم / الأنبا موسى

المال عطية من الله، له دوره المهم فى حياة البشر، ولكنه أيضًا سبب أساسى فى الصراعات الكثيرة الحادثة الآن على كل المستويات: الفردى، والأسرى، والدولى.

وقد حدّد الكتاب المقدس خطوطًا أساسية للمال، حتى يسهم فى سعادة الإنسان، وخدمة البشرية، وحتى لا يتعبد له الناس، ويتخذونه إلهًا دون الله مانحه. فما هى هذه الخطوط؟

1- المال منحة:

وصية القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: «أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِى الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَىِّ الَّذِى يَمْنَحُنَا كُلَّ شَىْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ» (1تيموثاوس 17:6). فكل ما يصلنا من إيراد مادى هو فى الحقيقة منحة من الله. إذ إنه لولا أن الله أعطانا الحياة، ما وصلتنا هذه النقود، ولولا أنه أعطانا الوزنات العلمية والعملية والفنية، ما استطعنا أن نتحصل على شىء، بل لولا أنه أعطانا الصحة ما استطعنا استخدام أعضائنا المختلفة فى إنتاج ما يدر علينا ربحًا: الرسام يستخدم يده، والمهندس يستخدم بصره، والعالِم يستخدم عقله، واللاعب يستخدم قدميه، وهكذا…

لذلك يعلمنا الكتاب المقدس أن نخاطب الرب – حين نقدم صدقة لفقير أو المحتاج عمومًا، فنقول له:

«مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أخبار 14:29).

2- المال غير أساسى للحياة:

كما قال الكتاب المقدس: «مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لوقا 15:12). إذن فالحياة عطية من الله… والصحة كذلك. وكل جهودنا من أجل أن نحيا أو أن نحتفظ بصحة جيدة، يمكن أن تبوء بالفشل، مهما صرفنا – فى هذا الصدد – من أموال‎، أو سافرنا إلى آخر الدنيا… الحياة منه، والصحة منه، ونحن نجاهد فى حدود إمكانياتنا من أجل حياة صحيحة، لكننا نثق أن المال لا يستطيع أن يهبنا شيئًا.

3- المال غير أساسى للسعادة:

يقول سليمان الحكيم: «لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ» (أمثال 1:17). فالسعادة قيمة روحية ونفسية سببها الصلة الحية مع الله، والسلام النفسى، وراحة الضمير، والغفران الإلهى، والمحبة الصادقة للناس مهما كانوا… ومن هذا المنطلق نقول: هل يمكننا أن نشترى السعادة بالمال؟! يستحيل… بل بالعكس، فكثير ما أشقى المال – فى كثرته – أصحابه… كيف يحفظونه؟ وكيف يستثمرونه، وكيف يسعدون أنفسهم به سعادة مزيفة فينحرفون… إلخ.

4- المال غير يقينى:

إذ يقول معلمنا بولس الرسول: «أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِى الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَىِّ» (1تيموثاوس 17:6). فالمال شىء غير ثابت.. يأتى اليوم ويذهب غدًا. ويمكن أن يحصل الإنسان على ثروة اليوم ويفقدها لظروف ما فى نفس الوقت. المال شىء متحرك، وعلى الإنسان ألا يحاول أن يثبت قدميه عليه حتى لا ينهار.

5- المال وزنة:

إذ يوصى الكتاب المقدس الأغنياء: «أَنْ يَكُونُوا أغْنِيَاءَ فِى أعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أسْخِيَاءَ فِى الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِى التَّوْزِيعِ، مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَِلِ، لِكَىْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ» (1تيموثاوس 18:6-19).

لذلك، فالمطلوب أن نستثمر المال لمجد الله، وراحة وسعادة إخوتنا فى البشرية. وكلما أعطينا سعدنا لأنه «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 35:20)، وكلما أعطينا ازدادت خيراتنا «النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ، وَالْمُرْوِى هُوَ أَيْضًا يُرْوَى» (أمثال 25:11). وكم أغنياء كانوا أغنياء فى الإيمان وأعمال الخير، وقدموا للبشرية خدمات لا حصر لها.

نحن إذن وكلاء على هذا المال الذى هو أصلًا ليس لنا وليس منا، لكنه عطية من الله، لذلك يسميه الكتاب المقدس: «مال الظلم» (لوقا 1:16-15)، تمامًا كالأموال التى اقتنى بها وكيل الظلم أحباء… هى ليست أمواله، لكنها أموال سيده، ومن خلالها استطاع أن يقتنى أصدقاء. ومع أن تصرف وكيل الظلم خطأ، لأنه أخذ ما ليس له ولكن الرب يطلب منا أن نتعلم من «أبناء هذا الدهر» أن نستثمر الأموال التى هى أصلاً من الله، لنقتنى بها أصدقاء.

إن الرب قد ائتمننا على ما لدينا من مال، فلنتصرف فيه بحكمة وضمير حى، نأخذ ما نحتاجه، ونترك ما بقى للرب ليتصرف فيه حسب ما يرى، ربما لخدمة محتاج، أو ربما لظرف طارئ، فالرب يمنعنا من الإسراف «السِّكِّيرَ وَالْمُسْرِفَ يَفْتَقِرَانِ» (أمثال 21:23). ولكنه أيضًا يحضنا على جمع الكِسر (متى 37:15)، كى تخدم آخرين.

يجب التعامل مع الأموال بحكمة. إذ يجب علينا توفير المال، ولكن ليس اكتنازه. وعلينا أن نصرف أموالنا بتحكم وحكمة. وعلينا أن نعطى من أموالنا لله بفرح وتضحية. ويجب علينا استخدام المال لمساعدة الآخرين، ولكن بتمييز وإرشاد.

كما يحذرنا الكتاب المقدس من النوم فى وقت يجب علينا العمل فيه. فالكسلان شخص مهمل يفضل الراحة على العمل. ونهايته معروفة – الفقر والعوز. وفى المقابل نجد الشخص المحب للثروة، مثل هذا الشخص بحسب ما يقوله سفر الجامعة 5: 10 لا يكتفى من الثروة، ويسعى دائمًا للحصول على المزيد والمزيد، فى النهاية يقول الكتاب المقدس: «لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ، فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِى تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِى الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ».

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

المقال السابق

الإدارة التفصيلية ! .. بقلم / دينا عبدالكريم

المقال التالي

وزيرة الصحة : « محدش هيدخل الجامعة دون الحصول على اللقاح »

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *