سئلت كثيرا عن ثغرة الدفرسوار، وهل نجاح العدو في إحداث هذه الثغرة يقلل من قيمة الإنتصار الذي تحقق لمصر في حرب أكتوبر، بل قد ذهب البعض الي التشكيك في هذا الإنتصار.
وللحقيقة أقول، أننا قد دخلنا حرب أكتوبر وللعدو الإسرائيلي تفوق (نوعي) في الأسلحة والمعدات والطائرات، وهذا ليس جديدا فالمراجع مليئة بمقارنات أنواع الدبابات والمقاتلات والقاذفات، وكلها تؤكد هذا التفوق النوعي لصالح إسرائيل.
كما لا يخفي علي أحد أن إسرائيل قد تلقت دعما أمريكيا ومن جنوب أفريقيا خلال القتال من الطائرات الفانتوم وسكاي هوك والدبابات م – 60 الحديثة وأسلحة ومعدات أخري في الوقت الذي لم تتلقي فيه مصر أي إمدادات سوفيتية.
إضافة لذلك كانت طبيعة مسرح العمليات في صالح إسرائيل من خلال المانع المائي والساتر الترابي والتحصينات القوية التي تم إنشاؤها علي طول خط القتال، وكذلك طول المسافة حتي الحدود الإسرائيلية.
التفوق النوعي لمصر كان عدديا في معظم الأسلحة والمعدات ونوعيا فقط في مجالي الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للدبابات.
هذا ما دفع القوات المسلحة الي أن تعد خطة الهجوم في ظل ما سبق من معلومات، يتم فيها الإعتماد علي الروح القتالية والمعنوية والإعداد النفسي والتدريب المكثف للمقاتلين في ضوء أن معركتهم هي لتحرير الأرض المغتصبة وهو هدف يتسم بالشرعية والقداسة.
كذلك وضعت الخطة للتنفيذ في أمد قصير نسبيا ولمسافة محدودة بناء علي الإمكانات المتيسرة، خاصة إمكانات الدفاع الجوي.
ولهذا أصدر الرئيس السادات “أمر القتال” محددا بالعبور واجتياز الساتر الترابي، وتدمير النقط الحصينة للعدو، والإستيلاء علي رؤوس كباري يتم توسيعها الي رؤوس شواطئ بعمق 15 – 20 كم ، والاستعداد لتطوير الهجوم شرقا طبقا للموقف، بهدف “محدد ” هو تحريك القضية سياسيا، بعد أن فرضت عليها القوتان العظميان جمودا سمي حينها بحالة اللا حرب واللا سلم.
لقد تم تنفيذ المهمة الصادرة الي القوات المسلحة علي أكمل وجه، وكانت مفاجأة الحرب هي المقاتل ابن الفلاح المصري الذي استطاع التغلب علي الإسرائيلي المسلح بأحدث أسلحة القتال.
ويمكن القول أن القوات المسلحة المصرية قد نفذت مئات (الثغرات) بنجاح في حرب أكتوبر بين النقاط الحصينة ضد الجيش الإسرائيلي أثناء وبعد عمليات العبور.
نجحت إسرائيل في إحداث ثغرة الفرسوار أيام 16 و17 أكتوبر وما بعدها من خلال العبور المحدود في البداية ثم تعزيز قواته غرب القناة بإستغلال وقف إطلاق النار حتي وصلت الي 7 لواءات ميكانيكية ومدرعة، حاولت تطويق الجيش الثاني ولكنها فشلت، فتوجهت جنوبا لقطع طرق الإمداد خلف الجيش الثالث.
ولا شك كانت هناك أخطاء سياسية وإستراتيجية أدت الي ذلك، أهمها غلي وجه الإطلاق القرار السياسي يوم 14 أكتوبر بتطوير الهجوم شرقا خارج مظلة الدفاع الجوي، ما أفقد الجيوش الميدانية التوازن المفروض في عمقها التعبوي.
توقف القتال والقوات المصرية تحتل رؤوس الشواطئ ووصلت الي أعماق تعدت الـ 20 كم في بعض القطاعات في الشرق، وفي الغرب تحاصر القوات المصرية القوات الإسرائيلية في الثغرة، وقد تم إعداد الخطة (شامل) لتدميرها عند صدور الأوامر.
لقد تكبدت إسرائيل في هذه العملية التي أسمتها معركة (الغزالة أو برج الحمام) خسائر كبيرة جدا في الأفراد والمعدات، حتي أنه قد رصد ما لا يقل عن 100 إشارة طلب من القادة الإسرائيلين بإلغاء العملية وكان رد القيادة الإسرائيلية أن مستقبل إسرائيل يتوقف علي إتمام هذه العملية.
لقد كانت إسرائيل تهدف الي خلق موقف تستطيع من خلاله تحسين موقفها التفاوضي فيما بعد الحرب وقد تأكد البدء فيها من خلال قرارات المنظمات الدولية والقوي العظمي.
هنا يبرز السؤال كيف يمكن حساب الإنتصار والهزيمة في الحرب؟
وللإجابة علي هذا السؤال أوضح أن الحروب هي وسيلة لفرض الإرادة السياسية ومن هنا يمكن التأكيد علي إن القوات المسلحة المصرية قد حققت إنتصارا مظفرا أدي الي تحريك القضية السياسية، وتحقيق التحرير لكامل الأرض المصرية غير منقوصة.
ولذا فلقد أثبت المقاتل المصري جدارته وشجاعته وبسالته التي أذهلت العالم كله، حتي في ظل إمكاناته المحدودة، وفي مواجهة قوات مسلحة قوية لا يستهان بها، ولا يجوز اليوم أن نشكك في هذا الإنتصار بما يثير حزن هذا المقاتل وشجونه وهو من ضحي بنفسه وحياته وأجزاء من جسده وأستعاد لكم الأرض والعرض والكرامة