تحت عنوان «شعوب متآخية، أرض المستقبل- ديانات وثقافات فى حوار» الذى عقد فى الملعب الرومانى القديم «الكولوسيوم» فى روما والذى نظمته جماعة سانت إيجيديو المعنية بالسلام فى العالم والتى شارك فيها رؤساء الكنائس وعلى رأسهم البابا فرنسيس بابا روما والإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب والسلطات السياسية ووممثلون من جميع أديان العالم للصلاة معا كل على حسب دينه من أجل نزع الكراهية من القلوب وجعل العلاقات بين الشعوب علاقات سلامية وإيجابية وبين الشعوب والأرض بيتنا المشترك.
والمكان، وهو الملعب الرومانى، كان فى الماضى البعيد مكانا للترفيه الجماعى، ولكن الوحشى، حيث كان الرجال المحكوم عليهم بالموت يصارعون الوحوش الجائعة للحم والدم، فكان الأخ يقتل أخاه كلعبة مميتة حتى يتسلى الإمبراطور وشعب روما، هذا المكان أصبح موضوع تأمل فما كان فى الماضى مازال يستكمل فى الحاضر أيضا، حيث نشهد أعمال عنف وحرب، حيث يقتل الأخ أخاه وكأنها لعبة تتم مشاهدتها من بعيد بلا مبالاة. إنَّ ألم الآخرين وألم الذين ماتوا، وألم المهاجرين، والأطفال الذين حاصرتهم الحروب، وحُرموا من الطفولة.. ألعاب سعيدة.
لكن اليوم لا يمكننا أن نلعب بحياة الشعوب والأطفال. ولا يمكننا أن نقف غير مبالين. ولكن علينا أن نتعاطف مع الإنسانية التى ننتمى إليها ونعترف بجهودها وأيضا بهشاشتها، اليوم فى المجتمع المعولم الذى يتفرّج على الألم بدون أن يشعر به، نحتاج إلى أن «نبنى الرحمة». أى أن نشعر بالآخر، ونتبنّى آلامه. هذه هى الشجاعة الحقيقية، شجاعة الرحمة، التى تجعلنا نذهب أبعد من حياتنا الهادئة، ومن الـ «لا مالية» ولا نسمح بأن تتحول حياة الشعوب إلى مجرّد لعبة بين الأقوياء وتركها تحت رحمة مصالح البعض أو فريسة لمشاعر طائفية وقومية وتعصبية.
إنه صناعة العنف، إنها تجارة الأسلحة الفتاكة، والتى غالبًا ما تتحرك فى الظل، تغذيها أنهار من المال، فالحرب هى فشل السياسة والبشريّة، استسلام مخز، وهزيمة فى وجه قوى الشر. وعلينا أن نتوقف عن قبولها بنظرة الأخبار المنفصلة ونحاول رؤيتها من خلال عيون الشعوب. منذ عامين، فى أبوظبى، وقع البابا والإمام وثيقة الأخوة الإنسانية وطالبا «باسم الشعوب التى فقدت الأمن والسلام والعيش المشترك، لتصبح ضحايا للدمار والخراب والحروب». نحن مدعوون لا للاستسلام لإغراء العنف، وإنما لكى نكون صوت الذين لا صوت لهم، ونعضد المتألِّمين، والمدافعين عن المظلومين، وضحايا الكراهية، والذين يقصيهم البشر على الأرض ولكنّهم ثمينون بالنسبة للساكن فى السماوات. هم خائفون اليوم، لأنه فى أجزاء كثيرة من العالم، بدلا من أن يسود الحوار والتعاون، تستعيد المواجهة العسكرية قوتها كأداة حاسمة لفرض ذاتها.
ويقع على عاتق الأديان فى هذا المنعطف التاريخى الدقيق نزع السلاح من قلب الإنسان. إنَّ مسؤوليتنا هى أن نساعد فى استئصال الكراهية من القلوب وإدانة جميع أشكال العنف. وأن نشجّع بكلمات واضحة على إلقاء السلاح وتوفير الاحتياجات الإنسانية، وتحويل أدوات الموت إلى أدوات حياة. لا يجب أن تكون هذه مجرّد كلمات فارغة، وإنما طلبات ملحة نرفعها من أجل خير إخوتنا، ضد الحرب والموت، باسم «إله السلام والحياة».
إن مسيرتنا تتطلب باستمرار تنقية القلب. ونرى فى الآخرين «إخوة، لأنهم خُلقوا من الخالق الواحد» و«ليكن السلام الذى نعلنه بالفم، أكثر وفرةً فى قلوبنا». إنَّ السلام ليس فى الأساس اتفاقًا يتم التفاوض عليه أو قيمة نتحدّث عنها، وإنما هو موقف للقلب. يولد من العدالة، وينمو فى الأخوة، ويعيش من المجانية، ويدفعنا لكى «نخدم الحقيقة». فالشعوب تحلم بالسلام. وحلم أرض المستقبل. إنه الالتزام بالعناية بالخليقة والبيت المشترك الذى سنتركه للشباب. فالأديان، إذ تُعزّز موقفًا تأمليا، هى مدعوة للإصغاء إلى أنين الأرض، الأم التى تعانى من العنف.
ختاما، لا يمكننا أن نبقى بصحة جيدة على الدوام فى عالم مريض. فخلال الفترة الأخيرة أصاب الكثيرين مرض النسيان، نسيان الله والإخوة، وقد أدى ذلك إلى سباق جامح من أجل الاكتفاء الذاتى الفردى، خرج عن مساره فى جشع لا يشبع تحمل ندباته الأرض التى نسير عليها، بينما يمتلئ الهواء الذى نتنفسه بالمواد السامة ويفتقر للتضامن. وهكذا، سكبنا تلوث قلوبنا على الخليقة. فى هذا المناخ المتدهور، يُعزّينا أن نفكّر أنّ الاهتمامات عينها والالتزام عينه تنضج وتصبح تراثًا مشتركًا للعديد من الأديان.
علينا جميعا توجيه مسار التاريخ. فلدينا أمام أعيننا رؤية العديد من الشباب والأشخاص ذوى الإرادة الصالحة.. الأرض كبيت مشترك تسكنه شعوب متآخية. نعم نحلم بديانات متآخية وشعوب متآخية، ديانات متآخية تساعد الشعوب لكى يكونوا إخوة فى سلام، وحراسًا متصالحين لبيت الخليقة المشترك.