• 23 ديسمبر، 2024

رئيس التحرير

ناجي وليم

الإحساس بالعزلة ما بين الماضى والحاضر .. بقلم / الأنبا موسى

أولًا: الإنسان والعزلة:

1-شىء خطير فى حياة الإنسان المعاصر.. هو ذلك الإحساس بالعزلة الذى كان يشكو منه الناس، خصوصًا فى المدن المزدحمة، ذلك لأن الازدحام لا يعنى التلاحم والتلاقى والتعاطف، بل بالعكس، فهو يعنى التناحر والتنافس والتنافر والتدافع.. من هنا نجد أن الإحساس بالعزلة Sense of Loneliness صار سمة للإنسان المعاصر، خصوصًا فى المجتمعات الحضارية والصناعية، حيث تحول الإنسان إلى مجرد ترس فى آلة ضخمة، أو مجرد رقم قومى! طبعًا هذا لا يلغى سلامة أن يكون للإنسان رقم قومى مميز، لكن المهم أن يكون للإنسان وجوده وسعادته وقيمته فى الحياة اليومية.

 

2- أصبح الإحساس بالعزلة أكثر خطورة الآن بعد طوفان المعلومات والتكنولوجيا، التى أحدثت تغييرًا جذريًا فى الحياة عمومًا، وفى حياة الناس خاصة، فقد اختلفت الحياة عن الماضى، حيث كانت تتسم بالدفء الأسرى والعائلى، لقد كان أفراد الأسرة والأصدقاء والأقارب يعيشون فى جو أسرى ممتع، سواء فى المنازل أو النوادى أو المتنزهات العامة، فى الاحتفالات والمناسبات المختلفة، سواء فى أعياد الميلاد، أو الأعياد الرسمية، أو الإجازات، أما بعد عصر التكنولوجيا فقد أصبحنا نعيش حياة غريبة عنا للأسف، حتى وإن كان أفراد الأسرة معًا فى مكان واحد، إلا أن كل فرد جالس فى صمت وفى يده الموبايل، يتصفحه عبر وسائل التواصل الإجتماعى المتنوعة: ما بين الفيس والواتس والفايبر والانستجرام وغيره، دون كلل أو ملل. صار الإنسان يعيش فى عزلة داخل الميديا من هنا وهناك. يجلس الفرد مع أسرته بجسده فقط، ولكن كل كيانه وعقله فى الموبايل.. فهل يا ترى أصبحنا عبيدًا للتكنولوجيا، ومصيرنا العزلة والوحدة الاجتماعية؟!.

ثانيًا: العزلة والتحضر والتكنولوجيا:

1- الإحساس بالعزلة كنا نحسه فى القاهرة أكثر من المحافظات، وفى المحافظات أكثر من المدن والمراكز الصغيرة. وفى هذه أكثر من القرى، لذلك كان يتناسب طرديًا مع التحضر Urbanization وكان أكثر وضوحًا فى الدول المتقدمة صناعيًا وعلميًا وماديًا، مثل أمريكا أكثر منه فى بلاد العالم الثالث. فى أستراليا غاب موظف مصرى عن عمله أربعة أيام، ولم يسأل عنه أحد، بينما كان هو فى أزمة كبيرة يحتاج من يساعده.

 

2- أما فى عصر التواصل الاجتماعى، فأصبح العالم ركنًا فى غرفة، بعد أن قالوا إن العالم أصبح قرية صغيرة، أصبح لا فارق بين المدينة والقرية، ولا بين الدول، فكل العالم يعيش فى العالم الافتراضى «Virtual»، ويعتمد أكثر فأكثر على وسائل التواصل الاجتماعى والهواتف الذكية، سواء كانت دردشات أو تواصلا أو عملا، أصبح الفرد ينام ويقوم وعيناه معلقتان على تلك الشاشات التى بين يديه، ينتقل بسرعة شديدة بين وسائل التواصل المختلفة وكأنه يخشى فوات أى معلومة. ولا نعلم تمامًا إن كانت هذه التكنولوجيا فائقة الوصف والمتطورة بسرعة مذهلة، لذلك فالعزلة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتكنولوجيا.

نحتار ما بين الحنين إلى الماضى حيث التماسك الأسرى والجلسات الممتعة وروح المرح والمناقشات والحوارات، وبين ما يحمله من الغزو التكنولوجى، وهو سيف ذو حدين.. مما أدى إلى زيادة الفجوة والعزلة عن بعضنا البعض اجتماعيا، فالتكنولوجيا تحيط بنا من كل جانب، ولم يبق لنا مكان للتواصل الحقيقى وجهًا لوجه والتلامس معًا.

 

ثالثًا: العزلة والحنان المفقود:

1- وفى مقال لأحمد بهجت منذ سنوات كثيرة، حكى لنا عن عجوز أجنبى كان طريح الفراش فى المستشفى بمفرده، ولا أحد يسأل عنه، ولما زامله مصرى مريض فى نفس الحجرة، وجاء المصريون بروحهم المرحة يسألون عن صديقهم المصرى، قدموا للعجوز نفس الحنان المصرى المحبوب، وفى يوم رأوه يقبل صورة ويبكى، فظنوها صورة أولاده الغائبين المشتتين فى أنحاء الولايات، ولكنهم اكتشفوا أنها لكلابه الذين يشتاق إليهم قائلًا: «كلابى أفضل»!!.

 

2- الحنان المفقود داخل الأسرة، وغياب الاستقرار الزيجى، وعدم الرغبة فى انجاب الأطفال خشية التعب الجسمى والنفسى والمادى فى تربيتهم، والأنانية المفرطة خوفًا من الطرد من العمل، وغياب قيم التعاطف والمحبة والتعارف بين الجيران.. كل هذا قاد إنسان العصر المتحضر إلى إحساس رهيب بالوحشة الداخلية، وهو إحساس تعس يصيب الإنسان بأمراض عصبية كثيرة. وزادت على ذلك تقنيات التكنولوجيا الحديثة وما يستجد كل يوم، وما تسببه من الاكتفاء بهذه التقنيات والانعزال الكامل عن الأسرة والأصدقاء و

رابعًا: العزلة فى المريخ:

حتى علماء الفضاء يتحدثون عن مشكلة رهيبة هى: كيف سيتحمل من نرسله إلى المريخ العزلة لفترة طويلة داخل مركبة الفضاء؟!.. سوف نحل مشكلة الأكسجين وغيره، لكن كيف نحل مشكلة الإحساس بالعزلة؟.. إن أحاديثهم مع مركز الفضاء ستكون أحاديث علمية جافة، ليس فيها رطوبة الحب، وحلاوة اللقيا، وسعادة الابتسامات.. فكيف الحل؟. طبعًا لا يمكن أن نغفل أو نلغى التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعى من الحياة، فقد أصبحت أساسيات الحياة، ودونها كل الأشغال تتوقف، ولا يستطيع الإنسان العيش فى هذه الحياة بدونها، ولكن يكمن الحل فى التوازن بين وقت استخدام وسائل التواصل الإجتماعى، ووجود وقت للعلاقات الأسرية والعائلية وللأقارب والأصدقاء، والخروج عن الذات..وقد أشار السيد المسيح إلى أن الحل لمشكلة العزلة أن يخرج الإنسان من ذاتيته وقوقعة أنانيته ويتجه نحو الآخر بكل الحب، الحب الروحى السخى المعطاء الباذل الثابت غير المتقلب، ويعيش سعيدًا كما قال الكتاب المقدس: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ». (أعمال 35:20).

 

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

المقال السابق

منع دخول غير المطعمين للمصالح الحكومية غدا .. ما البدائل المتاحة لمن لم يحصلوا على لقاح كورونا ؟

المقال التالي

الحكومة تنفي صحة صدور قرار بتعطيل الدراسة تحسبًا لظهور متحور “أوميكرون”

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *